مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق  ..يَحدُث للآخَرين فقَط..!

 منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق  ..يَحدُث للآخَرين فقَط..!

 

 

“أنت تمر بالأطوار المعتادة، في البداية أنت لا تعرف، بعد هذا أنت لا تلاحظ، ثم تلاحظ فلا تصدق، ثم تصدق فلا تعرف ما ينبغي عمله. فى حياة كل إنسان لحظة لا تعود الحياة بعدها كما كانت” .. د.أحمد خالد توفيق ..!*

 

الدكتور “رفعت إسماعيل” – كما يعلم معظم أبناء جيلي من قراء روايات مصرية الجيب – هو بطل سلسلة “ما وراء الطبيعة” لعَرَّاب ذات الجيل الكاتب المصري الفذ د.أحمد خالد توفيق” رحمه الله”..!

شخصية رفعت إسماعيل هي تجسيد ذكي لفكرة “نقيض البطل” في الأدب والدراما كما ينبغي لها أن تكون. فهو طبيب أعزب جاوز السبعين، نحيل، مُعتل الصحة، يُدخن بشراهة، ويُكابد أمراضاً مزمنة مثل الربو وضيق الشرايين التاجية وقرحة المعدة ..!

ولأن كاتب سلسلة روايات “ما وراء الطبيعة” قد اختار تركيبة “الأنتي هيرو” – أو نقيض البطل – فالدكتور رفعت شخصية عصبية تميل إلى انتقاد الآخرين وتضيق في ذات الوقت بانتقادهم إياها، وتُسرف في إصدار الأحكام القاطعة ثم تَعمد إلى التشكيك بتلك الأحكام..!

ولعل تلك العيوب الكثيرة الشائعة هي السبب الرئيس في أيقنة القراء لشخصية “رفعت إسماعيل” واقتناعهم بفلسفاته العميقة في تشخيص البشر وتصنيف مواقفهم بناءً على انعطافات ذهنية ذكية وساخرة قَلَّ أن تجود بها قريحة كاتب ..!

من تلك الانعطافات الذهنية التي اشتُهرت بها شخصية “رفعت اسماعيل” حديثه عن قاعدة “يحدث للآخرين فقط”، وهي إحدى القواعد التي يُصنِّف من خلالها بعض أنماط سلوك البشر الخطائين..!

يقول المؤلف على لسان البطل إن هذه القاعدة تُثبت دوماً براعتها في بعث الطمأنينة في نفس من يعمل بها، ولكن حين يتضح لك أنك قد كنت مخطئاً بشأنها يُصبح تصديق ما حدث أمراً عسيراً ..!

على سبيل المثال أنت تعيش اليوم في مجتمع نصفه إما نازح أو لاجيء ونصفه الآخر يقف على أعتاب الحالين بفعل أهوال وتداعيات هذه الحرب، لكنك قد تتعامل باستهتار مع فكرة الموت جراء ذلك كله باعتبار أن موتك أو موت أحد أفراد أسرتك في أزمنة الحروب – وبفعل تداعياتها – شأن يحدث للآخرين، ثم يشاء الله أن يصيبك ما كنت تظنه مصيبةً تحدث للآخرين فقط..!

هنا يبدأ خطك الدفاعي الثاني “إن هذا لا يحدث لي فعلا” فتكون قد وقفت بذلك على أعتاب مراحل نموذج “كيوبلر” بشأن مراحل الحزن الخمسة “تبدأ بالإنكار فلا تصدق، ثم تغضب لأن هذا يحدث لك، ثم تنخرط في مساومة المصيبة، وعندما تفشل تصاب بالاكتئاب والحزن. ولأن “الحكمة الإلهية العليا تقول إن كل ألم يأتي معه برحمته” تنتهي إلى القبول بكل ما حدث، ثم تجنح إلى التسليم ..!

احتمال حدوث الموت أو التعرض له كنتيجة راجحة لاندلاع الحروب كان مثالاً فقط، ولك أن تقيس على ذلك موقفك من خيانة صديق كنت تظنه صدوقاً لأنك كنت تعتقد أن خيانة الأصدقاء شأن يحدث للآخرين فقط..!

أو حالك بعد انتهاء علاقة عاطفية فاشلة بدأتها مع شريك وجداني كنت تحسب أن عشرته لا يمكن أن تبوء بالخذلان، لأنك كنت تعتقد أن خذلان الشركاء هو شأن يحدث للآخرين فقط ..!

ثم يشاء الله أن تُفيق من ذلك الوهم الذي مفاده أن بعض الكوارث تحدث للآخرين فقط، بعد أن تُدرك أنك لم تكن بطبيعة الحال سوى أحد أولئك الآخرين الذين يعتقد معظمهم “بدورهم” أن ذات الكوارث تحدث لك أنت ولغيرك “من بقية الآخرين” فقط ..!

إنها قصة العَشم الإنساني المُفرط في مواجهة بعض المخاوف الغَائمة بفعل سُحب الغيب، أو بعض الشرور العَائمة في مياه الاحتمال. هي قاعدة واقعية إذن وجديرة بالوقوف، لأنها تشبهك وتشبهني وتشبه آخرين كُثر ليسوا مُحصَّنين وليسوا خارقين..!

هي قصة لم ترد على لسان بطلٍ أسطوري، بل قال بها نقيضٌ للبطل يشاركك بعض عيوبك وانطفاءاتك وهزائمك النكراء في معارك ثقتك ببقائك جافاً ونظيفاً على ضفاف بعض التجارب الآسنة!.

 

munaabuzaid2@gmail.com

المصدر : صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى