منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..هناك فرق – بيوت مطمئنة..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..هناك فرق – بيوت مطمئنة..!
“الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ”.. الكاتبة..!
الناس اليوم يخافون من الفشل في الزواج أكثر من أي وقت مضى، ليس لأن الشخصيات والعلاقات أصبحت أضعف، بل لأن الضغوط أصبحت أقسى، والتناقضات أوضح. وبفعل بعض عوامل التعرية الجندرية ما عاد الزواج أمانًا اقتصادياً، لكنه ما يزال إثباتاً اجتماعياً..!
في الماضي كان يُنظر إلى الزواج كسبيل لتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي، حيث كان يوفر للمرأة الأمان الاقتصادي وللرجل السلطة الاجتماعية. أما اليوم فقد أصبحت المرأة تعمل وتستقل اقتصادياً بينما فقد الرجل بعضاً من سلطته..!
صور “الحياة المثالية” على منصات التواصل الاجتماعي صارت تخلق ضغطاً إضافياً، والزواج ما عاد تجربة شخصية خاصة، بل موضوعًا عامًا يعرض أمام الجميع، لذلك أصبح الفشل فيه مصدراً للقلق، ليس فقط من الناحية العاطفية، ولكن من حيث الحكم واللوم الاجتماعي..!
في الأجيال السابقة كان الزواج خياراً محدداً، وأحياناً مفروضاً، أما اليوم فنحن نعيش في عصر من الخيارات اللا متناهية، لكننا لا نمتلك الدليل الكافي أو الحكمة الكافية لاختيار الأفضل، لذلك يخشى بعض الناس أن يتخذوا قرارات غير صائبة، مما يتركهم في دوامة الخوف من الفشل..!
وعلى الرغم من أن الحب هو الأساس في معظم الزيجات إلا أن الواقع يثبت أن الحب وحده ليس كافيًاً، فالحياة الزوجية تتطلب توازناً بين العديد من العوامل مثل التفاهم، والمشاركة، والقدرة على التكيف مع الضغوط الحياتية. وبدلاً من أن يكون الزواج مصدراً للسعادة فهو قد يتحول بغياب أحد او بعض إلى مصدر للقلق والرهبة..!
في ثقافتنا المحلية يُنظر إلى الفشل في الزواج كعيب شخصي، ويُحاكم صاحب تجربة الفشل بدلًا من اعتبارها درساً، وبذلك يصبح الخوف من الفشل في الزواج أكثر من مجرد خوف من الألم، بل خوف من اللوم والوصمة الاجتماعية..!
النساء في بلادنا لا يُربين على الحب، بل يُربين على القلق، على النعومة المشوبة بالحذر، وعلى الحلم المشروط بعدم الفشل. يُدفعن إلى الزواج بنفس الطريقة التي يُدفع بها الجنود إلى الحرب “أركضي، لا تنظري خلفك، وتذكري دائماً أننا لا نملك رفاهية الهزيمة”..!
ربما لذلك نجد أن كل شيء حولنا يعيد تعريف الزواج بوصفه صفقة تتكئ على الخوف، خوف الأهل من العنوسة، خوف النساء من الوحدة، خوف الرجال من الكلام، وخوف المجتمع من الاختلاف، وفي النهاية يدخل الكل هذه المؤسسة وهم يضعون مفاتيح النجاة في جيوبهم قبل أن يضعوا خواتم الحب في أصابع هم..!
الزواج – كما يُقدّم في وعينا الجمعي – ليس مشروع حب، بل مشروع تغطية، تغطية على عمرٍ يُخشى أن يفوت، وعيوبٍ يُخشى أن تُرى، وتجارب قديمة يُراد نسيانها. ولأننا نخاف لا نحب بطمأنينة.
ولأننا نخجل من الرغبة لا نعترف بها، ولأننا نُربّى على الصبر، لا نغادر حتى ونحن نُذبح..!
الزواج في نسخته الخائفة يُنتج أبناءً خائفين وعائلات مرهقة وحيوات مؤجلة. إذن وبعد كل ما فقدناه وكل ما اكتسبناه مقابل ذلك الفقد – خلال سنوات الثورة والحرب – آن الأوان أن نعيد تعريف العلاقات الاجتماعية في سودان ما بعد الحرب..!
أن نعيد تعريف الزواج ليس بوصفه تصنيفاً اجتماعياً نلوذ به من النقد، ولا بوصفه مكافأة على حسن السيرة والسلوك، بل باعتباره شراكة ناضجة لا يستقيم أبداً أن تقوم على الخوف او تبقى لاجله، بل بوصفه شراكة جامعة تنهض على الوعي في فهم الذات والشجاعة في تقدير الآخر!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة