مقالات

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. نسالة خيوط..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. نسالة خيوط..!

 

“ليست كل النهايات داوية، أحياناً ينسحب الحب على رؤوس أصابعه”.. الكاتبة..!

 

 

المسألة ليست في قوة النسيان، بل في قناعة المرء بحتمية النهاية. أن تقرر أن علاقة ما لم تعد صالحة للاستمرار، وأن تعترف بشجاعة بأن أخطاءك الشخصية كانت جزءاً من تلك النهاية، حينها فقط يصبح النسيان خطوة طبيعية في طريق الحكمة، لا معركة مع الذاكرة..!

سر الخلاص يكمن في أن لا نُشيطن الآخر، وأن لا نحاكمه كعدو، بل أن نراه شخصاً غير مناسب، لا شخصاً سيئاً. فالأرض لا تجف لأنها شريرة، بل لأن السماء لم تمطر. ونحن لا نخسر الآخر لأنه وحش، بل لأنه ببساطة ما عاد يلائم تضاريس أرواحنا. القناعة بوجوب النهاية، مع الاعتراف بعيوبنا، هي الضمان الوحيد لتفادي أخطاء الغد..!

لكن المشكلة أننا لا نجرؤ على هذا الاعتراف في وقته، فنلجأ إلى اختراع حيل الوداع المؤجل، والعلاقات لا تسقط فجأة من شجرة العمر، بل تهترئ ببطء كما يبهت قماش قديم على شرفة مواجهة للشمس. خيوطها تنسلّ بلا إعلان، غرزها تترهل بصمت، وما يتبقى منها يتحول إلى نسالة خيوط عصية على محاولات الرتق والحياكة..!

الوداع المؤجل يشبه سقفاً مثقوباً يتسرب منه المطر على رؤوسنا قطرة بعد أخرى، لا يمنحنا حماية كاملة، ولا يترك لنا خلاصاً عاجلاً. هو عذاب طويل الأمد، نختار أن نحمله لأن لحظة المواجهة تبدو أثقل من سنوات الوهم والتجاوز. وفي تلك المسافة الرمادية بين “النهاية” و”الاعتراف بالنهاية”، يأكلنا الانتظار، وتستهلكنا محاولات الترميم لنزل قديم ما عاد قابلاً للحياة..!

كثيراً ما نُمسك بفتات العلاقة كمن يجمع حطام إناء مكسور، مع علمه اليقيني أن الماء لن يستقر فيه مرة أخرى. نعيد ترتيب الزجاج المبعثر، وندعي أن الصورة القديمة ما زالت ممكنة. لكن الحقيقة التي نهرب منها تظل واقفة خلف الباب، تذكرنا بأننا نعيش على أطلال، وأن العلاقات الإنسانية– مثل سنوات العمر – لا تُستعاد بعد أفولها..!

المفارقة أن تأجيل الوداع لا يحفظنا من الألم، بل يضاعفه. نحن نظن أننا نشتري وقتاً إضافياً للحب، بينما نحن في الحقيقة نستهلك ما تبقى من احترامنا لأنفسنا. فالخيط الذي نتمسك به لا يُبقي العلاقة حية، بل يُبقي جرحها مفتوحاً..!

في النهاية، الوداع المؤجل ليس رحمة، بل عقوبة. إنه كذبة مشتركة نتواطأ على تصديقها، لأن الحقيقة أقسى “أن النهاية قد وقعت منذ زمن”، وأننا نعيش فقط في صدى أصواتها القديمة. فما يبقى بعد اهتراء النسيج، مجرد ذكرى لثوبٍ كنا نرتديه ذات يوم، ولم نجرؤ على خلعه في الوقت المناسب..!

الدرس الأثمن أن التمسك بما انتهى لا يطيل عمره، بل يطيل عمر أوجاعنا، وأن الشجاعة ليست في أن نقول إننا “نحب” حين يكون الحب سهلاً، بل في أن نقول “انتهينا” حين يصبح الحب عبئاً. عندها فقط، نكتشف أن الخلاص – مهما كان مؤلماً – أرحم من نهاية مؤجلة على مقاعد الاحتضار!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر: صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى