منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..مقعد فارغ في العيد..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..مقعد فارغ في العيد..!
“الشعور بالفقد لا يحتاج إلى مواسم، لكنه في العيد يصبح أكثر حضوراً وأكثر تهذيباً، يطرق أبوابنا بأدب، ثم يجلس في زاوية القلب، ويصمت”.. الكاتبة..!
في كل بيت ثمة مقعد فارغ لا تملؤه المساند، ولا تجاوره الستائر، ولا يراه الزوار، لكنه يسرق النظر من عيون أصحاب المكان الذين يعيشون الحكاية..!
في صباحات العيد يجلس الغائبون أولاً، يحتلون الزوايا التي كانت لهم، يملأون الغرف بروائح عطورهم، ثم ينسحبون بصمت، تاركين خلفهم كؤوساً فارغة، وضحكات مبتورة، وموائد عامرة فقدت بهجتها بغيابهم..!
الفقد ليس حدثاً وكفى، بل إلياذة حزن لا تنتهي، كأن الراحلين لا يغادرون حقاً، بل ينسحبون خطوة إلى الخلف، يراقبون ما نفعل ونحن نحاول صناعة الأفراح بعد رحيلهم. نرتب البيوت، نلبس الجديد، نطهو الولائم، نضحك مع الأطفال، لكن في القلوب مجاهل لا تصلها الضحكات ولا تكسوها الزينة..!
جاءت هذه الحرب وغيبت عنا أحباء كثر بلا وداع، تشتت السودانيون وانقسموا كما تُقسم الغنائم، لاجئ، نازح، مفقود بلا أثر، و راحل دون وداع، لا نجد له قبراً نزوره، ولا ساعة رحيل نحدد بها الذكرى، فقط نبرات حنين وعبرات حزن تسكن أصواتنا..!
الغريب أن الغياب، بعد الموت، يصير أكثر ترتيباً من الحضور، الراحل يأتيك من الذاكرة في اللحظة المناسبة، ويغادر حين تبدأ بالبكاء، لا يراجعك في قراراتك، لكنه يتركك مليئاً بأسئلة لا إجابة لها، هل قلنا له ما يكفي، هل عرف كم كنا نحبه، وكيف وكم تغيرنا بعد رحيله..؟
الغياب بالموت لا يعني الرحيل كلياً، فالأجساد تمضي، لكنها تترك أرواحاً تجلس حيث اعتادت، تمشي حيث مشت، وتشد من أزرنا في اللحظات التي نظن فيها أننا وحدنا، وتذكرنا بأن أحباءنا هؤلاء لم يرحلوا أبداً، بل انتقلوا!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة