مقالات

منى أبوزيد تكتب :  هناك فرق – كرم استراتيجي..!

منى أبوزيد تكتب :  هناك فرق – كرم استراتيجي..!

 

“من جاد ساد ومن ضعف ازداد”.. موسوعة الأمثال والحكم..!

 

الدول مثل الأفراد، تمنح لتربح، وتتنازل لتكسب، وتُحسن لتؤسس نفوذاً أبقى من المدافع. والسوابق الدولية على استخدام العطاء – الذي هو فضيلة أخلاقية – كأداةً للهيمنة الناعمة كثيرة..!

الولايات المتحدة لم تنفق المليارات على” خطة مارشال” لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية حباً في الخير، بل لتُغلق الباب أمام الزحف الشيوعي، ولتربط اقتصاد القارة القديمة بعجلة الدولار..!

والصين اليوم تفعل الشيء نفسه تحت لافتة “الحزام والطريق”، تبني الموانئ والسكك الحديدية وتُقرض الدول، لكنها تُدخلها – في الوقت نفسه – في دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي..!

حتى المساعدات الخليجية التي تتدفق على بعض الدول العربية، قد تبدو للوهلة الأولى إحساناً، لكنها في حقيقتها استثمار في موازين القوى والتحالفات. فكل ما فعلته دول الخليج مع لبنان – على سبيل المثال – هو أنها جعلت من الكرم أداة استراتيجية، لا هبةً عابرة..!

كان اتفاق الطائف لحظة مفصلية، دفعت فيها المملكة وحلفاؤها أثماناً باهظة من أجل إطفاء حريق الحرب الأهلية في لبنان، وإعادة بناء بلد تتقاسمه تناقضات الطوائف. لم يكن الأمر إحساناً مجرداً، بل كان استثماراً في استقرار المنطقة، وفي موازين النفوذ، وفي أبواب مفتوحة للاقتصاد والثقافة..!

واليوم يقف السودان عند مفترق يشبه ذلك المفترق، بلد يطلب كرماً دولياً استراتيجياً لا يكتفي بكسرة خبز ولا بشحنة دواء، بل يراهن على من يرى في دعمه ربحاً بعيد المدى، واستثماراً في غدٍ يخص الجميع..!

السودان في مرحلة ما بعد الحرب يحتاج إلى من يراه فرصة وليس عبئاً، وشريكاً في المستقبل وليس مجرد ملف إغاثة على طاولة عاجلة..!

إذن، الكرم الاستراتيجي في حال السودان اليوم ليس عطاءً عاطفياً، بل هو دبلوماسية مغلفة بالهدايا. يعطيك الطرف الآخر ما تحتاجه اليوم، ليحصد منك غداً ما قد يحتاجه أكثر..!

وإذا كان هذا المفهوم يفسر جانباً من حركة الدول الكبرى، فإن سودان ما بعد الحرب يحتاج أن يوقظ انتباه العالم إلى جدوى هذا النوع من الكرم معه. فالسودان ليس مجرد بلد منكوب يبحث عن إغاثة، بل هو أرض بكر من الفرص “موقع استراتيجي عند مفترق البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ثروات معدنية وزراعية غير مستثمرة، وعمق بشري وثقافي قادر على صناعة أسواق جديدة”..!

إذا أرادت الدبلوماسية السودانية أن تعيد تعريف صورة بلادها في الوعي الدولي، فعليها أن تُبدل خطابها من لغة الاستعطاف إلى لغة المصالح، فالعالم لا يتحرك بالشفقة بل بالمكاسب. على الخرطوم أن تقول بوضوح إن مساعدة السودان ليست تفضلًا، بل استثمار مربح في الاستقرار الإقليمي، ومفتاح لتحجيم الفوضى في منطقة مشتعلة بالهشاشة..!

بل يمكن أن تطرح الخرطوم على العواصم الكبرى معادلة ذكية، أعطونا “قروضاً ميسّرة، استثمارات في البنية التحتية، دعماً في إعادة الإعمار”، وسنعطيكم نحن ما هو أبقى “سوقاً واعدة، ممراً آمناً، ووزناً دبلوماسياَ في توازنات إفريقيا والشرق الأوسط”..!

فالكرم الاستراتيجي – إذا أحسن السودان إدارة ملفه – لن يعود مجرد تدفق مساعدات، بل سيكون شراكة متبادلة، تُساهم في إنقاذ البلاد من عزلتها، وتمنح الآخرين فرصة أن يربحوا من استقرارها. إنها صفقة أخلاقية وسياسية معاً” أن يتحول الخراب إلى دعوة مفتوحة للعطاء، بالحسابات”..!

هكذا فقط يمكن أن يخرج السودان من إطار صورته الشائعة كدولة محتاجة في أذهان الآخرين، ويمكن له أن يرسم صورته كشريك استراتيجي في مشاريع الكرم الدولي الاستراتيجي!.

munaabuzaid2@gmail.com

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى