منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. كادوك رئاسي..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. كادوك رئاسي..!
“كلما انخفض صوت الفكرة ارتفع صدى النكتة”.. الكاتبة..!
دونالد ترامب، الرجل الذي عاد إلى البيت الأبيض محمولًا على أكتاف موجة شعبوية جديدة، قال بعد زيارة الرئيس الجنوب إفريقي رامافوزا بأن مصافحة الرجل كانت قوية ومريبة، وبأن ساقيه لم تعودا كما كانتا بعد تلك الزيارة أبداً “حتى شورت الغولف لم يعد يناسبني”..!
كان يمكن اعتبار هذا التصريح طرفة تذاع في نشرة أخبار خفيفة وكفى، لولا أنه قد صدر عن رئيس دولة قوية تم انتخابه بعد أن تحول الوعي الجمعي من احترام النخبة إلى هجائها..!
ترامب ليس استثناء، بل قاعدة جديدة في عالم تآكلت فيه الثقة بالنخب، وأصبح الرئيس العشوائي الارتجالي هو المرشح المثالي الذي وجد خطابه شعبية جارفة، لأن الناس لم يعودوا يريدون من يشرح لهم، بل من يشبههم في الجهل والغضب والعجز..!
في محطينا الإقليمي تمظهرت هذه الموجة في نسختها الأكثر شراسة، وصار المثقف متهماً بالتعالي لمجرد أنه لا يصرخ، ولا يلوح بمقاصل افتراضية، وصعدت أصوات تزدري التحليل الفكري وتضع الحس العام فوق كل معرفة، وتعتبر التفكير ترفاً طبقياَ لا يليق بالناس العمليين..!
أما في بلادنا فقد بلغت الكوميديا السوداء ذروتها. مليشيا مسلحة تزعم أنها تحارب الدولة العميقة من أجل الديمقراطية، بينما تغتصب النساء وتسرق الأبرياء وتسفك الدماء، وتمنح الجهلاء مفاتيح القرار، بعد أن أصبحت كراهية النخبة عقيدة سياسية وذريعة عنصرية..!
لكن الحقيقة التي يُمعن الخطاب الشعبوي في دفنها، أن النخبة – بوصفها موقفاَ عقلياً وليس طبقة اجتماعية – هي التي كانت وما تزال خط الدفاع الأخير عن الفكرة والدولة والمعنى الوطني..!
في السودان لم يكن الخراب وليد التفكير، بل وليد غيابه، ولم يكن نتيجة تسلط النخبة، بل نتيجة محاربتها وشيطنتها والسخرية من منطقها. واليوم، وسط الركام وبين دخان الحرائق اتضح جلياً أن معاداة الوعي لم تنقذ هذا الشعب، بل سلمته إلى المجهول”تسليم أهالي”..!
ربما كانت ساقا ترامب تؤلمانه حقاً حينها، وربما كانت المصافحة قوية جداً يومها، لكن ما يؤلمنا نحن حقاً في ما يلينا في هذه الجغرافيا المنكوبة هو أن تُصاب فئة كاملة من هذا الشعب بضمور في التفكير، وأن يصبح العقل المفكر عند حلفاء تلك المليشيا هو الثقل الوحيد الذي لا يحتمل!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة





