
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. في حُرمة الأموات..!
“الموت هو الامتحان الوحيد الذي تتساوى فيه الإجابات، فلا فضلَ لحيٍّ على ميِّت”.. الكاتبة..!
الموت لا يُقيم وزناً للفوارق التي ننشغل بها نحن الأحياء. وهو حين يجيء، يخلع عن الإنسان كل انتماءاته، فيرده إلى اسمه الأول، وبدايته البكر، وحقيقته المجردة، ويتركه وحيداً أمام خالقه. وتبقى حرمة الميت عقيدة راسخة عند كل الأمم، لا يجرؤ على انتهاكها إلا من فقد شيئاً من إنسانيته..!
قبل أيام تداعى الرأي العام في أذربيجان للتظاهر احتجاجاً على مقطع “تيك توك” لسائحين سعوديين كانا يسخران عبره من قبور الشهداء هناك. لم يكن الموقف بحسب الشعب الأذربيجاني مجرد مزحة طائشة، بل إهانة لرمز وطني..!
خرج الناس إلى الشوارع، اشتعل الرأي العام، وتحول الفيديو إلى قضية رسمية انتهت باعتقال السائحين وإخضاعهما لتحقيقات قد تُفضي إلى أحكام تبلغ الخمس سنوات، فالاستهزاء بالموت ليس حرية تعبير، بل جريمة أخلاقية..!
في السودان نحن نمارس الفعل نفسه، لكن بأيدينا، وبدماء أهلنا. منذ اندلاع هذه الحرب تحولت جثث القتلى إلى مادة للتشفي على المنصات. بعض أنصار الجيش يصفون موت خصومهم وكأنه حفلة شواء على نار المسيرات، ومعظم أنصار الدعم السريع يقابلون ذات الموقف بالسخرية الشماتة..!
وكأن الموت في المعارك صار ملعباً لتصفية حسابات قديمة مع الكيزان، أو ثأراً مع العسكر، أو إشباع نعرات عنصرية مقيتة. هكذا صار الموت – الذي كان في ثقافتنا جميعاً لحظة إجلال وصمت – جزءاً من خطابات الكراهية..!
ليس ذلك فحسب، هنالك من يفعلون ذلك وهم من المثقفين وأصحاب المنابر. بينما الموت سر من أسرار الله، وجثث القتلى – على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم – ليست أوراقاً في لعبة السياسة..!
الموت حق وكل نفس ذائقة الموت، وليس من المروءة ولا من الدين ولا من الفطرة أن يُشمت في مصابٍ أو يُسخر من جثمان. الأرواح بيد خالقها، ومشيئته وحدها هي التي ترفع الروح أو تبقي الجسد حياً..!
وما نحن إلا عابرو سبيل، سنقف ذات يوم على ذات العتبة التي وقف عليها أولئك الذين سخر بعضنا منهم. يومها سيفهم هؤلاء البعض “متأخرين” أن حرمة الموت “في جوهرها” هي حرمة الحياة ذاتها!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة