منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. في أدلجة الحروب..!
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. في أدلجة الحروب..!
“في زَمان شُيوع البلوى يَحسُن بالمسلم أن لا يُطبِّق شريعةً تؤدي إلى ازدِياد المُنكر” .. العز بن عبد السلام ..!*
ليس مهماً على الإطلاق أن يكون حديث الشيخ د. عبد الحي يوسف عن موقفه وموقف الحركة الإسلامية من الفريق البرهان قد تمت فبركته بنزعه عن سياقه أم لا..!
وليس مهماً على الإطلاق أن تصدر الحركة الإسلامية بياناً تتبرأ فيه من علاقتها بتصريحات الشيخ وتنفي عضويته بها، وليس مهماً أبداً أن يثبت الشيخ على عثمان – من خلال حديثه في اجتماع للحركة تم تسريبه – تمويل حكومة البشير لقناة طيبة التي يقوم على رأسها شيخ عبد الحي..!
ليس مهماً – في مثل هذا المقام على الأقل – أن الشيخ قد تألى على الله فجزم بشأن علاقة هذا الحاكم اَو ذاك بالدين، أو أنه قد ساوي بين البرهان وحميدتي ونتنياهو قائلاً أن لا فرق بينهم. وليس مهماً أن يفتي الشيخ بجواز نشر صور قتلى مليشيا الدعم السريع – على بشاعتها – إذا رجحت المصلحة في ذلك..!
المُهم حقاً في حديث الشيخ هو أنه قد تعمد أن يوحي من خلاله بوجود انفصال وجداني واختلاف جذري بين منطلقات عقيدة عساكر الجيش القتالية والعقيدة القتالية لمقاتلي المقاومة الشعبية “التي تعمد أيضاً أن يقصر تعريفها على عضوية المجاهدين المنتمين إلى الحركة الإسلامية”..!
مكمن الخطورة في حديث الشيخ عبد الحي هو أنه يشتمل على صور أدلجة خطيرة ثلاثية الأبعاد. أولها الحديث عن بعض الأفعال وردود الأفعال العسكرية لقيادة الجيش من زاوية التقييم الديني المتطرف لتقديرات عسكرية تعول في نهوضها بالمواقف على الكثير من الأسرار..!
وثانيها أدلجة أسباب اندلاع واستمرار هذه الحرب وقصرها على بعض الشجون السياسية “محاربة عودة الحركة الإسلامية إلى الحكم”، وتجاهل البعد الاستيطاني التهجيري لهذه الحرب التي تتواطأ من خلالها دول مع المشروع الإجرامي لهذه المليشيا، لخدمة نزواتها الاقتصادية “سرقة ثروات السودان”..!
أما ثالثها فهو أدلجة الانتصارات العسكرية – التي تتجدد عبرها هزائم المليشيا – بنسبتها إلى عشرات الآلاف من المجاهدين اللاحقين الذين تم تدريبهم على أيدي
مجاهدين سابقين في حرب الجنوب، وتجريد الجيش من كل انتصاراته العسكرية الحالية في هذه الحرب، والسابقة في حرب الجنوب بمفهوم المخالفة “ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه”..!
قبل سنوات كانت أدلجة الفتاوى تقتضي أن يشن الشيخ عبد الحي هجوماً عنيفاً على الرافضين لطريقة جلد فتاة “في ذلك الفيديو الشهير”، وأن يبرر سلوك منفذي حكم الجلد بأنه ضررٌ خاص منفصلٌ عن العام، وأن يتجاهل الإشارة إلى التعسف والقسوة في تطبيق العقوبة .!
وعندما سئل بعد انفصال الجنوب “هل بقي لهذه الحكومة عذر لعدم تطبيق الشريعة، وهل هي مضطرة أم آثمة، وهل يجب علينا ألا نتقلد المناصب في الجيش والأمن
والشرطة حتى لا نقيم حكم الطاغوت” كانت الأدلجة تقتضي أن يجيب الشيخ بأن الدستور ليس بطاغوت وأن الحكومة ليست طائفة ممتنعة يجب قتالها، وأن تحكيم القانون ليس مخالفاً للشريعة، وأنه لا وجه مخالفة في استفتاء الشعب” ..!
أدلجة المواقف والأحكام كانت تقتضي أيضاً أن يعزو الشيخ عبد الحي شيوع البلاء وغلاء المعيشة الذي حاق بالبلاد في السنوات الأخيرة من حكم الإنقاذ إلى ذنوب الشعب ومعاصيه وأعماله السيئة ..!
أما المفارقة حقاً فهي أن كل ما يصدر عن الشيخ بشأن هذه الحرب هو مردودٌ عليه بحسب رأيه الفقهي السابق الذي قال فيه بعدم وجوب الإلتزام باتباع أي فتوى تصدر عنه أو عن غيره من العلماء، لأن النبي “عليه الصلاة والسلام” فقط هو المعصوم، ولأن ما عدا ذلك – من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى أصغر عالم دين – يُؤخذ قوله ويُرد..!
هذا ما كان من أمر الفتوى، الشرعية عديل، ناهيك عن التصريحات المرسلة التي تتعمد “تسييس” الاجتهادات الفقهية أو “تفقيه” المواقف السياسية والخطط العسكرية!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة