مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..عندما يتقدم الشارب على الفكرة..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..عندما يتقدم الشارب على الفكرة..!

 

 

*”عندما يفشل بعض الرجال في تفنيد فكرة المرأة يلجأون إلى تفنيد كونها امرأة”.. الكاتبة..!*

 

في السياسة – كما في بقية شؤون الدنيا – لا تكون المشكلة في الفكرة نفسها، بقدر ما تكون في زاوية النظر. وزاوية النظر هذه، في مجتمع مثل السودان، تنحني قليلًا كلما صدرت الفكرة عن امرأة. وكأنَّ الرجل يُطل من علوٍّ وهمي، يعتقد من خلاله أن فهم السياسة امتياز يقتصر على جنس الشوارب، لا طبيعة العقول..!

من عجائب التنشئة أننا نُربي أبناءنا على الاعتقاد بأن التفكير السياسي ميزة ذكورية، بينما الحقيقة – التي يعرفها علماء النفس قبل الفلاسفة – أن الملكات العقلية التي تُنتج التحليل السياسي الرصين “دقة الملاحظة، حدة الإدراك، الاستبصار، والربط بين الأسباب والنتائج”، تتفوّق فيها النساء طبيعياً وبالفطرة. لكن بعض الرجال لا يرون في المرأة إلا كائناً يتلعثم أمام نشرات التاسعة، فيتعاملون مع نقص اطلاعها – الذي يشمل الجنسين – وكأنه نقص في تمام الخلقة وليس طبيعة الاهتمام..!

والحق أن ما يُسمى بجهل النساء بالسياسة هو في أغلبه جهل اختياري، منشؤه عدم المتابعة، وليس عدم المقدرة. فالمرأة التي تدير ميزانية بيت، وتحسب احتمالات اليوم والغد لأطفالها، وتستشرف طقس العائلة قبل أن يتغير، تملك من مهارات التفكير في السياسة وغيرها ما يكفي إن هي شاءت..!

أما الرجال الذين يقضي معظمهم نصف يومه في تحليل نتائج الدوري الإنجليزي، ثم يقفز إلى منصة الحوار الوطني وكأنه مستشار استراتيجي، فهم أفضل مثال حي على أن الحديث في السياسة – عند الكثير من الرجال – هواية صاخبة أكثر من كونها معرفة متأنية..!

والساحة السودانية تُثبت ذلك. فهي مكتظة بتحليلاتٍ رجولية رغائبية، ملونة بالانتماء الحزبي، قصيرة النفس عن مجاراة الواقع، وأحياناً صماء أمام المستقبل. ومع ذلك – وحين يختلف الناس مع صاحبها – يكون الخلاف على الرأي، لا على حقه في إبدائه..!

لكن ما إن يصدر تعليق سياسي عن امرأة، حتى يتحول الخلاف إلى محاكمة للمصدر، وكأن التعبير عن الرأي في الشأن العام العام وظيفة ذات شروط تشبه شروط الانتساب لأجهزة الأمن والمخابرات، وحتى هذه برعت فيها نساء كثيرات..!

هذه ليست عقدة في تقييم العقول، بل جرح قديم في التنشئة، جرح صنعته نساء أمهات. فالمفارقة أن النساء هن المصدر الأول لهذه الهشاشة المفاهيمية التي تدفع ثمنها نساء أخريات. وعندما تهمل أصواتهن لا يحدث ذلك لضعف حجتهن، بل لضعف نظرة المجتمع إليهن..!

اللحى والشوارب إذاً ليست من علامات نضج العقول. ولو وضعت رجلاً وامرأة في غرفتين مغلقتين، وفي كل غرفة مكتبة سياسية، وشاشة أخبار، وما يكفي من الوقت، ثم أجريت معهما حواراً سياسياً، ستلاحظ أن المرأة تلتقط التفاصيل الصغيرة التي يهملها الرجل، وتقدم قراءات أدق للواقع، بل وربما تبزّه في الاستشراف الذي يتطلب خصوبة الخيال وبعد النظر قبل أن يتطلب ثراء المعلومات..!

بعض الرجال يستكثرون علينا نصاعة الأفكار ومنهجية التفكير، وبعضهم محق في نقده لقلة اطلاعنا السياسي والتاريخي، لكن المؤكد هو أن أي نقص في معلومات المرأة ليس نابعاً من عجز جوهري في برمجتها البيولوجية، بل من اختلاف نظرتها لقائمة الأولويات الثقافية فقط..!

أما أن يتحول الاختلاف معها إلى موقف استباقي يطعن في حقها بالتحليل فذلك وحده كافٍ ليسقط جدارة الرجل نفسه في مضمار التحليل السليم، لأن السياسة لا يحسنها من لا يملك حياداً فكرياً تجاه مصدر الفكرة قبل مضمونها..!

الخلاصة يا سادة، عقل المرأة ليس بحاجة إلى شهادة اعتماد من ذائقة الرجل السياسية. وإن كان بعض الرجال يظنون أن التفكير السياسي حكر على من يشجعون برشلونة أو يحفظون تواريخ الاتفاقيات وأسماء الانقلابات، فالأجدى أن نقول لهم إن الآراء والتحليلات والمواقف السياسية، شأنها شأن صنوف المعارف الأخرى، لا تُقاس بكثاثة اللحى وأطوال الشوارب، بل تقاس بحظوظ الناس من الفهم، وسعة خطواتهم على مدارج الوعي والاستنارة!.

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر: صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى