منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..دورة الخوف..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..دورة الخوف..!
*”صُنَّاع التاريخ لا يؤمنون بحتمية التحالفات السياسية لأنها لا تُبنى على القيم والشعارات التي يتم تسويقها للجماهير، بل تُبنى على الخوف من الخسارة”.. الكاتبة..!*
أعلنت الحكومة البريطانية مؤخراً عن رفع “هيئة تحرير الشام” من قائمتها للمنظمات الإرهابية. وهو قرار لم يأتِ كثمرة شجاعة سياسية أو مراجعة أخلاقية، بل أتى كنتيجة راجحة لتغيرات بعض الكراسي في لعبة الخوف..!
في السياسة كما في الحياة، لا تُدار التحالفات بالعقيدة، بل بالغريزة. والخائفون – لا الحالمون ولا المؤمنون – هم الذين يعيدون ترتيب الكراسي على مسرح العالم كلما انطفأت الأنوار..!
منذ الحرب الباردة، كانت العلاقة بين الغرب والإسلام السياسي تقوم على خوف متبادل “خوف الغرب من فوضى الشرق، وخوف الحركات الإسلامية من العزلة أو النسيان”. وعندما دعمت أمريكا “المجاهدين” في أفغانستان، لم تكن تصلي معهم، بل كانت تحارب بصلاتهم. فالدين يومها لم يكن عقيدة، بل ذخيرة..!
وحين اندلعت ثورات الربيع العربي، ظن الناس أنهم أمام لحظة انعتاق، لكنها كانت استراحة قصيرة بين جولات المقايضة القديمة. عاد الإسلاميون إلى المشهد عبر صناديق الاقتراع، وعاد الغرب إلى حكاية “دعم الديمقراطية”. الكل كان يعرف قواعد اللعبة، الإسلاميون يملكون مفاتيح الشارع، والغرب يملك مفاتيح البقاء في مصر. وفي تونس جرت التجربة نفسها بلباقة أكثر تحت لافتة الانتقال الديمقراطي، وهكذا تحالف الخوفان مجدداً “الخوف الغربي من الفوضى، والخوف الإسلامي من الإقصاء”..!
ربما لم تكن الحرب على الإرهاب سوى طريقة جديدة لإدارته، فبعد ربع قرن من محاربة التطرف، لم يتوقف توليد النسخ المعدلة منه. كل تنظيمٍ سقط، خلَّف وراءه آخر أكثر قسوة، لأن المعركة لم تكن ضد الفكرة، بل ضد شكلها المؤقت. وسياسات الغرب لا تقتلع الجذر، بل تزرعه في تربة أخرى..!
في السودان تدور نسخة محلية من هذه اللعبة العالمية. القوى السياسية السودانية التي احتفلت بسقوط الإسلاميين ظنت أن المشهد قد طُوي إلى الأبد، لكن الغرب لا يُلغي خصومه للأبد، بل يُعيد توظيفهم حين يخاف من الفوضى..!
وحين تخشى بعض العواصم من تمدد المليشيات أو من انهيار الدولة، سوف تتذكر أن الإسلاميين – مهما اختلفتْ معهم – يملكون أدوات الدولة وخبرة التنظيم، وقدراً من الانضباط المفقود في الساحة..!
عندها لن يكون مستغرباً أن تتحدث بعض العواصم مجدداً عن أهمية الحوار معهم باسم الاستقرار الإقليمي. وتماماً كما رفعت لندن “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب، قد يرفع الغرب غداً غضبه عن الإسلاميين السودانيين لدواعي تكتيكية جديدة..!
السياسة، في جوهرها، ليست سوى إدارة للخوف. كل طرف يخاف من فقدان شيء “سلطة، هوية، نفوذ، أو ذاكرة”. لذا لا يوجد في ميزان المصالح سقوط دائم ولا انتصار أبدى. ومن يراهن على خوف الآخرين بهذا الفهم لا يخسر، أما من يراهن على مبادئ الآخرين، فيخسر نفسه قبل قضيته.
التحالف مع الشيطان نفسه في حكايات السياسة لا يحتاج إلى فتوى، بل إلى تبرير أخلاقي يُرضي الجماهير. بينما يبقى الخوف هو العملة الموحدة. وفي النهاية، لا ينتصر أحد تماماً، ولا يسقط أحد جداً. فقط يتغير شكل الخوف!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة





