مقالات

منى أبوزيد تكتب: .. هناك فرق ..تنمر سياسي..!

 منى أبوزيد تكتب: .. هناك فرق ..تنمر سياسي..!

 

 

“في هذا البلد لا يُدار الخلاف بل يُدان، وما أسهل أن تُرفع راية الوطن، وما أصعب أن يُرى في المختلف شريكًا فيه”.. الكاتبة..!

 

في لحظة ما، ونحن نكتب أو نعلّق أو نُصنِّف الآخر ضمن خانة “المخالف”، ننسى أنّ أفكار الناس ليست مجرد أزرار يمكننا الضغط عليها لتستجيب، ونتناسى أن الإنسان لا يتكوّن من موقف سياسي فقط، بل من خليط معقّد من الذاكرة، والانتماء، والخذلان، والنجاة الشخصية..!

في السودان، حيث تُطلق الاتهامات السياسية كالرصاص، بات الرأي المختلف مشروعاً مفتوحاً للتنمر، لا للنقاش. هنا، لا أحد يختلف معك “فقط”، بل هناك من ينزع عنك وطنيتك، ومن يسلخ عنك شرف النضال، ومن يرميك في قاع العمالة أو الإرهاب لأنك لم تردد هتافه أو لم تلوح برايته..!

التنمر السياسي ليس وليد قيام ثورة أو اندلاع حرب، لكنه كبر ونبتت له أنياب منذ أن أصبحنا نخلط بين المبدأ والهوى، وبين الموقف السياسي والهوية الأخلاقية. فجأة، لم يعد مقبولاً أن تكون “مع الثورة” وأنت ترى خللاً في خطاب الثوار، أو أن تكون “ضد الانقلاب” وأنت تنتقد الأداء المدني. أصبح النقد تهمة، وأصبح الحياد خيانة، وأصبحت المسافة بين “أنا أختلف معك” و”أنت عدو” مجرد تغريدة واحدة..!

أين ذهب الفرق بين النقد والإساءة؟. بين الخلاف والحقد؟. ومتى صار الفكر المختلف بمثابة تهديد يستوجب الحجر والتشهير؟. وهل يمكن لمجتمع يجرّح بعضه بهذا الشكل أن يؤسس لعدالة حقيقية..؟

المفارقة أن أغلب هذا التنمر لا يصدر عن من يملكون السلطة، بل عن من يحلمون بها. عن ضحايا القمع الذين يمارسونه بلسانهم، عن المهمّشين الذين يتوسّلون عدالة المستقبل بأدوات ظلم الماضي. وكأننا لم نتعلم من الدرس شيئاً، وكأننا نعيد إنتاج نفس الوحش الذي قاتلناه، ولكن بوجه جديد وأقل رحمة..!

ثمّة فرق جوهري بين أن تنتقد فكرة وأن تجرّح صاحبها،بين أن تحاكم خطاباً وأن تهين شخصاً، الفرق هنا هو الفرق بين مجتمع ينمو بالنقاش، وآخر يتآكل بالكراهية. وهو الفارق نفسه بين الثورة بوصفها مشروعاً للتغيير، والثورة بوصفها ديناً جديداً يُكفِّر المخالفين..!

الاحترام لا يعني الصمت، ولا يعني التنازل، بل يعني أن نترك للناس حقّهم في أن يكونوا بشراً، لا خانات سياسية، أن نُعيد للغة مكانتها، وللنقاش قيمته، وللخلاف ضرورته..!

ولعل أول خطوة في هذا الطريق، أن نُسائل أنفسنا، هل نريد أن أنقنع الآخر حقاً، أم أن ننتصر عليه؟. وهل نملك من الفكرة ما يكفي، أم أننا نحتاج إلى الإهانة لكي نثبت أننا على حق..؟

التنمر السياسي لا يُقصينا فقط من ساحة النقاش، بل يقصينا من إنسانيتنا. فلنحذر، أن نربح بعض المعارك ونخسر أنفسنا!.

 

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر : صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى