مقالات

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..بدون تقليعات..!

 منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..بدون تقليعات..!

 

“ليس من المتوقع أن يغير الجميع رأيهم في الثورة في الوقت ذاته”.. توماس بين..!

 

منذ سقوط حكم الإنقاذ واستتباب الثورة، ومجيء حكومة د. عبد الله حمدوك الأولى، والثانية، ثم حكومة د. كامل إدريس، لم تخلُ الحكومات المدنية السودانية من بعض “التقليعات”، كما لو أنهم يختبرون عقار الديمقراطية في غرف تجارب كيميائية..!

عندما هتفت جماهير ثورة ديسمبر بالحرية والسلام والعدالة وجدنا ميدان الاعتصام أشبه بعرس شعبي، تتسابق فيه الفرق على ابتكار تقليعات ثورية تلفت الأنظار، لكن الأمر تعدى الثوار إلى الحاكمين..!

قرارات كبرى بلا دراسات صلبة، وزراء يطلقون شعارات ثورية كأنها بيانات شعرية، لجان تنغمس في بعض التفاصيل بينما الواقع يحترق بانتظار حلول..!

التقليعات تجلت أيضاً في التعيينات والمناصب – التي وُزِّعت أحياناً وفق المحاصصة لا الكفاءة – وفي بيانات وزارية صاخبة لا تلبث أن تتراجع أمام صخرة الواقع. حتى النقاشات حول تغيير أسماء الشوارع أو إزالة رموز النظام السابق بدت في بعض الأحيان انشغالاً القشور، عوضاً عن مواجهة الأزمات العميقة التي تمس حياة الناس..!

لكن لعل ذلك كله كان انعكاساً طبيعياً لزمن انتقالي مرتبك، لم يتحرر بعد من إرث الإنقاذ ولم يستقر بعد على قواعد الديمقراطية. كأن هذا الشعب كان يجرب ثوبه الجديد أمام المرآة، يطيله مرة ويقصّره مرة أخرى، ثم لا يلبث أن ينشغل عن المقاسات بالتطريز ..!

وفي كل مرة كان ذات الشعب يكتشف أن الطريق إلى دولة رشيدة ليس سلسلة من التقليعات، بل عمل حقيقي طويل النفس، يصمد أمام امتحان الزمن..!

تلك التقليعات لم تكن عبثاً محضاً، بل حركة مجتمع سياسي كان يتململ ويفتش عن هويته بعد عقود من المعارضة. كانت تعبيراً عن تعطش للحظة مختلفة، ورغبة في القطيعة مع الماضي بأي طريقة. لكنها كشفت أيضاً أن الثورة “لا يتغير رأي الناس فيها دفعة واحدة”، فالحرية تحتاج إلى وعي، والوعي يحتاج إلى مؤسسات، والمؤسسات لا تُبنى بتقليعات عاطفية، بل بالصبر والمثابرة وحكمة العقلاء..!

لقد ضيعت الحكومة المدنية حينها جزءاً من زخمها حين استسلمت لهذا المزاج، فبدا أداؤها أقرب إلى عرض تجريبي مرتبك منه إلى مشروع لبناء دولة. ومع ذلك، فإن التجربة نفسها كانت درساً لا غنى عنه “أن الشعارات لا تُطعم خبزاً، وأن الاكتفاء بإزالة الرموز لا يُصلح اقتصاداً، وأن الديمقراطية لا تزدهر إذا ظلت أسيرة الانفعالات”..!

أما في ظل هذه الحرب فالطريق نحو المستقبل يُعبد بخطط مدروسة توازن بين الحلم والواقع. نحن في حاجة إلى عقل بارد يقود قلباً ساخناً، إلى رؤية ترى أبعد من ضجيج اللحظة، فما ينقصنا اليوم ليس المزيد من التقليعات، بل المزيد من الجدية..!

ولعل هذا هو التحدي الأكبر أمام هذه الحكومة “أن لا تقع في فخ العدوى”، فالتقليعات لا تبني دولاً، بل تضيع فرصاً. وإذا استسلمت هذه الحكومة لإغراء الرمزية والقرارات العاطفية والأداء الاستعراضي، فإنها لن تكون سوى حلقة جديدة في مسلسل التجريب المرتبك. أما إذا تحصنت بالعقلانية والمثابرة، فقد تنجح أخيراً في قطع الطريق على ظاهرة تقليعات الحكومات المدنية التي أرهقتنا جميعاً!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر :  صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى