منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. بارانويا الأوتوقراطية في السياسة السودانية..!
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. بارانويا الأوتوقراطية في السياسة السودانية..!
“كل المحاولات لتجميل السياسة تنتهي بالحرب” .. والتر بنجامين ..!*
بعد نكبة المفاصلة بين الإسلاميين حدث ما حدث لأن هذا الوطن الكبير كاد أن يتحول إلى ضياع وأصقاع يتصرف فيها – كيفما شاء وأنى شاء – حزب المؤتمر الوطني، حتى ما عاد هنالك فارق يذكر بين ملكية الوطن وأملاك الوطني ..!
والحقيقة أنه لا المؤتمر الوطني كان حزباً أرستقراطياً ولا قادته وصفوة المنتمين إليه كانوا من أبناء البيوتات أو العائلات الثرية، بل كان معظمهم من أبناء الكادحين والفقراء..!
فمن أين لهم ذلك الجدار العازل الذي تطاولوا في بنيانه لكي يحميهم من مظاهر احتجاج هذا الشعب الذي تفننوا في إنقاذه على طريقتهم، ومن أين لهم تلك المبالغ الطائلة التي كانوا يتداولونها سراً وعلانية بتوجيهات شفاهية واستجابات عشوائية..!
هي إذن بعض مجالب صراع الإسلام السياسي الذي انتهى إلى تجاوزات فادحة جاءت كنتائج راجحة لنكبة المفاصلة التي حولت الإسلاميين إلى فئتين، زهاد منكوبين وطلاب سلطة وأصحاب مناصب ..!
فكان لزاماً والحال كذلك أن يتبنى المؤتمر الشعبي – الذي يُعَوِّل في نهوضه على مرجعية شاهقة ومنهجية مُهابة وأفكار عالية الجناب وأطروحات راقية الإهاب – تلك النزعة الصَّفَوية التي تطغى على فنون التعاطي الجماهيري ومهارات التداول الشَّعبي لدى معظم قياداته ..!
بتعاقب السنوات على نكبة المفاصلة صارت هنالك فجوة عاطفية ما بين النَفَس الخَطابي لحزب المؤتمر الشعبي والروح الشعبية التي تطغى على الشارع العام نفسه، والتي تتجلى في حركات وبركات هذا الشعب المُصادم حيناً و”المُستَهبِل” أحياناً، في ظل “لا مبالاة” الحزب نفسه بمحاولة ردم تلك الفجوة..!
هذا ما كان من أمر اليمين، أما اليسار في السودان فإن الوقوف على طرف الفراء الفكري لأيقوناته الثقافية والسياسية يؤكد أن الانتماء إلى الفكر الشيوعي التزام صارم وقيد من حديد، وأن الرجوع عنه لعنة تلازم كل من يفارق طريقه..!
شخصيات محلية وعالمية كثيرة فقدت وهجها – إن لم يكن حياتها – وانطفأت بعد أن فارقت المسير على صراط الحزب الصارم..!
من صلاح أحمد إبراهيم وحكايته مع زملاء كفاحه التي أرخت لها مقالاته المبعثرة بين دار الوثائق ومكتبة الكونغرس الأمريكي، ومراراته وخذلانه العميق ـ من حروب اغتيال الشخصية ـ الأمر الذي بدا جليَّاً في نصه الشعري الحزين “دوريان جراي”..!
إلى مأساة زميله شيبون الذي أعطى كل شيء لولائه الحزبي ثم قاده الاحباط والشعور باللؤم والحصار – بعد اختياره للخروج من الحزب بإحسان – إلى الانتحار شنقاً بعمامة رأسه ..!
وفي كتاب بعنوان “كنت شيوعياً” تضمن بعض مقالاته التي كتبها في الصحف العراقية في خمسينات القرن الماضي ـ بعد أن ترك الحزب الشيوعي ـ روى بدر شاكر السياب وقائع خاصة تشير إلى الآثار السالبة لانتمائه الحزبي على علاقاته الأسرية ..!
وفي كتابها “بجعات برية” – الذي يوثق لدراما صينية في حياة ثلاثة أجيال – أكدت يونغ تشانغ أن السبب الرئيس في مأساة أسرتها مع الحزب الشيوعي الصيني هو اتخاذ والديها مواقف صارمة من سياسات الرئيس ماو ومن السلوكيات الخاطئة لبعض أفراد الحزب ..!
تلك المواقف التي أنتجت ردود الأفعال بشأنها معاناة أسرة بأكملها مع صور العقاب ..!
فالذي تلتقي عنده وتتفق عليه تلك الكيانات الاعتبارية والفردية المُنشَقَّة إذن هو تأثير المعاناة التي كابدتها – جراء دفع أثمان باهظة لاختلافها الجزئي أو الكلي مع المركزية الفكرية القابضة للجماعة – على حضورها العام وعلاقاتها العامة!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة