
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. انقلابات نبيلة ..!
” في الأزمات الفاصلة يكون الأكثر جرأةً هو الأكثر أماناً” .. هنري كسنجر ..!*
تُرى ما هو الحساب العسير الذي قال نائب رئيس حزب الأمة القومي إنه ينتظر رئيسه المكلف فضل الله برمة بعد رواج أنباء عن قرب تعيينه رئيساً للمجلس السيادي الذي قالت مليشيا الدعم السريع إنها بصدد تشكيله..!
ما هو يا ربِّي طول وعرض وارتفاع ذلك الحساب العسير، وهل يشمل جرداً لحسابه القديم في دعم المليشيا أم أنه يقتصر فقط على احتفائه الأخير بأن يكون المعادل غير الموضوعي للفريق البرهان..!
هل أفطر برمة “يا قول كيكل” ومتى يتغدى نائبه والتيار الذي يمثله داخل الحزب به وبأصحاب سوءه قبل أن يصبحوا عشاءاً لهم في سرادقات عزاءاتهم العسكرية والسياسية القادمة لا محالة..!
التشرذم السياسي الذي أعقب تداعيات اندلاع هذه الحرب والخلافات المفصلية التي عصفت ببعض الأحزاب، والانشقاقات الماضية والوشيكة.. إلخ.. كل هذه المواقف والمظاهر تنفي المسئولية الكاملة السابقة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم – حينها – عن نشوب الخلافات في بيوت المعارضة..!
لكن براءة المؤتمر الوطني من المسئولية هنا مثل براءة الذئب – الخاصة والحصرية – في قصة سيدنا يوسف الذي ألقى به إخوانه في البئر ولطخوا قميصه بدم كاذب، ثم اعتمدوا في مرافعتهم – أمام أبيهم – على حتمية الإدانة التي تستند على دموية العلاقة بين البشر والذئاب ..!
المعارضة السودانية درجت على اتهام المؤتمر الوطني بحياكة المؤامرات لتفكيك جبهتها والتدبير لوقيعة بين رؤساء أحزابها، وهذه أيضاً تهمة تعتمد على حتمية الإدانة التي تستند على تاريخ المؤتمر الوطني الحافل بصور تأليف القلوب من جهة، وتفريق الخصوم لتحقيق السيادة من جهة أخرى، ولكن ليس هذه المرة، تماماً كما في قصة سيدنا يوسف ..!
ليس للمؤتمر الوطني أي دور مؤثر في تفكيك بيوت الأحزاب التي لا ينقض المنتمون إليها غزلهم بأيديهم، وليس لأي تدبير سياسي معارض أي فضل يذكر في خروج الناس إلى الشوارع بانفعالاتهم وآمالهم البعيدة عن لزوجة الساسة وبلادة الأحزاب..!
وليتها كانت كذلك،ليت المعارضة السياسية في السودان كانت من القوة بمكان بحيث يركن إليها الشعب في أوقاته العصيبة وبحيث يحسب لها حزب المؤتمر الوطني ألف حساب ..!
المعارضة السياسية المسئولة هي خير حارس لحقوق الشعب وهي خير رقيب على أي نظام يحكمه، لكنها لعنة الأسياد والمريدين..!
أروقة الأحزاب السودانية قبل قيام هذه الحرب كانت بحاجة إلى مظاهرات موازية، لكنها اليوم بعد كل تداعياتها الماثلة صارت بحاجة إلى انقلابات بيضاء تسر الناظرين..!
رفض قداسة رئيس الحزب ومحاولة إخضاع قرارات الزعيم – أي زعيم حزبي – لمعايير الجدارة الكفاءة والمناداة بالمؤسسية والديمقراطية.. إلخ .. ليست شطحات طوباوية بل ممسكات يجب أن يلتزم بها أي كيان سياسي يحترم نفسه قبل منسوبيه ..!
التاريخ نفسه يقول إن المراجعات السياسية أيا كان نوعها أو مصدرها هي مجرد وقائع سياسية يعيد نفسه – من خلالها – بتَصرُّف ..!
الممارسة السياسية مسئولية وطنية تتعلق بمصائر الشعوب، وهي لا تحتمل – والحال كذلك – سطوة العواطف والأواصر التي تمليها تقاليد البيت الكبير..!
“حالة الأسياد” في السياسة السودانية ليست ظاهرة أو عرضاً موسمياً بل تاريخ مقيم. صحيح أن الأحزاب الطائفية التي تقوم على ازدواجية الزعامة والانتماء – وبالتالي شراسة الولاء – قد كرست لهذا النمط من الممارسة السياسية، لكن السبب الرئيس – في تقديري – هو استعداد الشخصية السودانية للتصوف في ممارسة العضوية الحزبية والدروشة في حضرة الأسياد “الزعماء” ..!
الناس في هذا البلد ما عاد يكفيها أن تتبع أحداً، ولا بات يرضيها أن تؤله سيداً. جَفَّت أقلام التأليه ورُفعَت صحف القداسة و”تشعبنت” أسباب الاحتجاج و”تشخصنت” أنماط التمرد و”تفردنت” أشكال التغيير، فهل يا ترى من مُذَّكِر!.
munaanuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة