منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. اليمين وعرق الجبين ..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. اليمين وعرق الجبين ..!
*”الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها”.. ابن خلدون..!*
في مصر القديمة كان يتم عزل القاضي إذا كتب إلى أحد الملوك أو الوزراء، خشية أن يتأثر حكمه بميل أو هوى، فضلاً عن اشتراط أن يكون من طبقة ثرية لضمان عدم فساده من أجل المال..!
وفي إنجلترا الحديثة كان لا يتم تعيين القاضي إلا إذا كان من طبقة ثرية، لضمان أن لا يحتاج إلى الرشوة أو يخضع لإغراء النفوذ. وبين هذين المثالين يطل السؤال الآتي برأسه “هل النزاهة المهنية ميراث شخصي، أم ثمرة سياسة عامة”..!
فريدريك تايلور ومن بعده سلسلة من علماء الإدارة والاقتصاد، ربطوا بين زيادة الدخل وزيادة الإنتاجية، وبين عدالة الأجر واستقامة الأداء. “إذا شعر الموظف بالأمان المالي، تفرغ للعمل، وأخلص فيه، أما إذا عاش تحت تهديد العوز، كان أكثر عرضة للفساد، وأقل رغبة في الإبداع”..!
في سودان ما بعد الحرب سوف يقف التغيير المطلوب أمام هذه المعضلة، هل يكفي أن نرفع الأجور لمحاربة الفساد..؟
قد يُخفف الأجر المجزي من الحاجة المذلة التي تدفع البعض إلى الرشوة، لكنه لن يمس جذر المشكلة، تدني الإنتاجية، ضعف الولاء لجهة العمل، وغياب الرغبة في التطور المهني بسبب اليأس من أي تطور مالي في المستقبل..!
الفساد ليس سرقة المال العام فقط، بل يدخل في قبيله الإهمال الإداري وتآكل روح الولاء العامة “أن يذهب الموظف إلى عمله كما يذهب السجين إلى سجنه، بلا حماسة، بلا انتماء، بلا ولاء، وبلا أمل”..!
لنهضة السودان في مستقبل ما بعد الحرب، لن يكون الحل في رفع الأجور فقط، ولا في تشديد العقوبات فقط، بل في إعادة بناء علاقة المواطن بعمله ووطنه. نحن بحاجة إلى مشروع وطني يُشعر الفرد أن جهده جزء من بناء جماعي، وأن ما يزرعه اليوم سوف يجنيه غداً..!
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة