منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. الوجه الناضج للنقيض..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. الوجه الناضج للنقيض..!
“كل خطوة نحو النضج تترك خلفها رأياً قديماً”.. الكاتبة..!
حين ننضج نكتشف أن الحياة ليست معركة مع آرائنا القديمة، بل رحلة نترك فيها بعض القناعات كما نترك محطات القطار التي لم تعد وجهتنا..!
قبل سنوات – في سودان ما قبل الثورة والحرب – وقفت شابة سودانية من بين مقاعد الحضور في حلقة تلفزيونية لبرنامج عربي شهير، تم تصويرها في الخرطوم، وقالت بما معناه أن الزواج لا يعنيها لأنها “رافضة المؤسسة كلها”..!
مرت السنوات، وتعاقبت الفصول بصيفها القائظ وخريفها العزائم وشتائها القاسي وربيعها الفواح”، وتغيرت السياسات وتعاقبت الأحداث، وتغيرت هي أيضاً، وانتشر خبر خطبتها – أي شروعها في الزواج – فانعقدت محكمة الرأي العام، وتمت إدانتها بجريرة التناقض..!
الناس هنا يتسامحون مع تغيير لون شعرك، طراز سيارتك، أو حتى اسمك نفسه أحياناً، لكنهم لا يغفرون لك أبداً أن تغير رأيك في شأن خاص، فما بالك بالمواقف السياسية والشخصيات العامة. لكن التاريخ نفسه أشار إلى احتفائه بهذه الفئة من المتمردين..!
ونستون تشرشل تنقل بين حزبين عدة مرات، وكان مشهوراً بمرونته السياسية لدرجة أن البريطانيين قد أطلقوا عليه لقب “المرتد السياسي”. ومحمد حسنين هيكل غير خطابه السياسي بعد تغير العهد، والصادق المهدي راجع تحالفاته ومواقفه أكثر من مرة وفق مقتضيات الأولى والراهن..!
غسان كنفاني نفسه وسع أفق نضاله، من الصرامة الثورية إلى مساحات أرحب من الفعل الثقافي والسياسي. وغيرهم كثر لم يحاكمهم التاريخ، بل احتفى بمرونتهم..!
تغيير الرأي ليس ندماً، بل اعتراف شجاع بأننا لسنا نفس الشخص الذي كنا عليه يوم أمس، وأن الحياة وهي تدور، تغيرنا ببطء، كما يغير النهر مجرى مياهه. وعليه فإن الإصرار على نسخة قديمة من نفسك لم تعد تناسبك ليس وفاء لما فات بل خيانة للحاضر..!
أما محاكمة الناس لأنهم قد كبروا على بعض أفكارهم، فهي نوع من الكسل العقلي والوجداني، والتفضيل للصورة الثابتة على الحقيقة المتحركة، كأننا نقول “أعجبنا فكرك القديم، فلا تزعجنا بنسختك الجديدة”..!
خلاصة القول، الحق في تغيير الرأي ليس ترفاً، بل ضرورة لكي نبقى أحياء من الداخل، أما الحق في محاكمة من يفعل ذلك فلا يملكه أحد، لأننا جميعاً – ببساطة وبلا استثناء – مشاريع تغيير قادم تمشي على قدمين!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة