مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..الدعم لا ينفي التحفظات والعكس صحيح..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..الدعم لا ينفي التحفظات والعكس صحيح..!

 

 

“الدعم لا يُمنح للشخص بل يُعطى للمسار حين تكون الفوضى هي البديل الوحيد عن التجربة”.. الكاتبة..!

 

 

في هذا البلد لا أحد ينجو من الشك، ولا أحد يدخل السياسة دون أن تلتصق به ظلال من الخذلان، وكل من يمشي في مناكبها لا بد أن يعترض طريقه ركام من الحذر الشعبي الموروث..!

الدكتور كامل إدريس ليس خيار الثورة ولا هو ابن الشارع السياسي الذي اشتعل في ديسمبر، لكنه قادم من هامش آخر – الهامش الدولي – حيث المكاتب اللامعة واللغة المهذبة، والمفاوضات التي لا تُدار بالجزرات والعِصِي، ومع ذلك فإن ترشيحه اليوم لا يندرج ضمن حفلة ترقيات، بل يهبط إلى قلب معركة بلد ينهار..!

السودان اليوم يمر بلحظة هشاشة مطلقة، عاصمة تحتضر، وأقاليم تعاني وأخرى تتمزق، واقتصاد لا يُقاس بالدولار بل بالدم، ودولة لم تنجح في أكثر من ملء شواغر مجلس السيادة..!

في لحظات كهذه لا يُطلب من الناس أن يختاروا بين الحسن والأحسن، بل بين الممكن والكارثة، والدكتور كامل إدريس برغم كل ما يمكن أن يُقال بشأن بعده عن تعقيدات الداخل شاءت الأقدار أن يكون هو الممكن السياسي في لحظة اختناق وطني شامل..!

البعض يرفضونه لأنه لا ينتمي إلى معسكراتهم، أو لأنه لم يكن ضمن صفوف الثورة، أو لأنه لم يصرخ بما يكفي ضد حكم العسكر.. إلخ.. ومعظم الاعتراضات مفهومة، لكنها تصبح ترفاً حين يكون الخيار الآخر هو استمرار الخراب والفوضى، أو إعادة تدوير المأساة..!

الدعم هنا لا يعني أن نمنحه شيكاً مفتوحاً،بل أن نحمي اللحظة لا الرجل، أن نقول هذه فرصة تأخرت كثيراً، لعلها تسمح بإعادة بناء شيء يشبه الدولة، أو بداية لانسحاب الفوضى من المشهد، والدعم بهذا المعنى لا يستهدف الشخصية بل يحمي المسار، ويفرض على رأس السلطة مدخلًا مدنياً غير محمول على الدبابة أو التحالفات القبلية..!

المعركة الإدارية الماثلة في السودان ليست بين يسار ويمين، ولا بين إسلاميين وعلمانيين في المقام الأول، بل بين الدولة واللا دولة، بين فكرة أن تُدار الحياة بقانون أو أن تُدار بالغلبة، وفي هذا السياق فإن دعم أي مشروع يعيد للدولة معناها – حتى إن كان ناقصًا أو غير مكتمل – يصبح واجباً لا تفضُّلًا..!

لكن الطريق أمام رئيس الوزراء الجديد لن يكون محفوفاً الأمنيات فقط، بل سيواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية تكفي لإغراق أي حكومة، مهما بلغت قوتها، وبعض خصومه لن ينتظروه ليبدأ بل سيعملون على تقويضه منذ اللحظة الأولى، وسوف يتم جرُّه إلى معارك جانبية، وسوف يُتهم بأنه لا يفهم الواقع المعقّد للمجتمع السوداني لأنه ظل بعيداً عن تفاصيله لعقود..!

إلى جانب التحديات الموضوعية ثمة ثغرات شخصية قد تهدد فرص نجاحه في المنصب، الرجل معروف بانغلاقه النسبي، وبنزعة فردية قد لا تصلح في بيئة تحتاج إلى شراكة سياسية واسعة، لا قرارات أحادية، كما أن لغته النخبوية وخطابه – الذي لا يزال أقرب إلى الدبلوماسية منه إلى السياسة الواقعية – قد يُفهم كتعالٍ أو انفصال عن نبض الشارع..!

اجتياز الصعوبات يتطلب أن يُغادر مقعد الخبير إلى موقع السياسي القريب من الناس، وأن يدرك أن السودان لا يُدار من فوق، بل من وسط المعاناة، وأن يعرف أن التفويض مشروط بالوضوح، بالشفافية، بالشراكة، وبالاعتراف أن لا شرعية لأحد من دون الناس، فالناس تريد منه أن يكون رجل دولة لا وجه سلطة..!

السودان لا يحتمل جولة إضافية من التشظي، ولا تجربة أخرى من التردد، فإن لم يكن هذا التعيين هو الحل، فلنقل إنه الضروري الممكن حتى يعبر السودان بأمان إلى ضفة الحلول!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر : صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى