منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..الاستثمار في النَّقد..!
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق ..الاستثمار في النَّقد..!
“عليك أن تتحلَّى بالشجاعة الكافية لاستخدام عقلك”.. إيمانويل كانط..!*
الأديب الروسي الراحل الكسندر سولجنستين قال إن الجمهور أيام حكم ستالين ظل يصفق في أحد المؤتمرات مدة إحدى عشرة دقيقة، تصفيقاً متواصلاً بلا انقطاع، حتى سقط بعضهم من الإعياء ونُقلوا إلى المستشفيات،
والذي تجرأ ـ يومها ـ على التوقف عن التصفيق عوقب بالسجن لعشر سنوات، وقد خرج الأديب الراحل من تلك الحادثة بالحكمة الديكتاتورية الثمينة التالية “لا تكن أبداً أول من يتوقف عن التصفيق”..!
وفي حكايات محمد حسنين هيكل عن أنور السادات مزاعم عن مقدراته الكبيرة على استدعاء تصفيق الجمهور لتحقيق أغراضه السياسية “عندما كان يلقي كلمته أمام مجلس الشعب وأعلن استعداده لزيارة إسرائيل، توقف السادات مدة ثانيتين حتى يصفق له الجمهور!” ثم قام بتوظيف ذلك التصفيق سياسياً..!
وقد ظلت لعنة التمرد على التصفيق تطارد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، كان ذلك رداً على خطابه الذي ألقاه أمام المعهد البريطاني للمرأة في مطلع هذه
الألفية، يومها استخدمت النساء مبدأ الامتناع عن التصفيق للتعبير عن استخفافهنَّ بكلمته، ثم أعقب ذلك رفض ملكتهن إعطاء الرجل وسام شرف، ولو نجح في انتزاع تصفيق بنات جنسها ربما نال الرضا السامي مع مرتبة الشرف ..!
ليس السياسيون وحدهم، حتى “الغنايات” يلجأن إلى إرهاب الحاضرات لانتزاع التصفيق، فترفع الواحدة منهن عقيرتها بالتهديد، متوعدة كل الفتيات المتخاذلات عن التصفيق بالدعاء عليهن بدوام العنوسة، وهو – كما ترى – إكراه أدبي فنِّي قائم على مبدأ طردية العلاقة بين التصفيق واستحسان الجمهور..!
ربما لذلك أخذ التصفيق أكثر من عشرة بالمائة من زمن رائعة أم كلثوم “أنت عمري”، والمثل الفرنسي يقول “يظل الطفل بريئاً حتى يتعلم التصفيق”، فكثيراً ما يكون تصفيق الشعوب سلوكاً قهرياً وتغطية إعلامية مجانية لمثالب الحكومات..!
لاحظ معي – مثلاً – كيف أن عدم استهداف الحكومات المتعاقبة على سودان ما قبل الحرب قد كان من أولويات الإعلام عندنا، وعلى وجه الخصوص الإعلام المرئي “أكبر محرض على التصفيق للحكومة” فإما أن تصفق أو تغني أو لا تُصفق فيضيَّق عليك الخناق..!
إذا سلمنا بأننا شعب كان وما يزال لا يستحق الديموقراطية بحسب حكوماته المتعاقبة قبل وبعد اندلاع الثورة – لا فارق يذكر – فكيف نصل ومتى نبلغ درجة الاستحقاق برأي حكامنا، وكيف نرتقي إلى مدارج
الوعي الديموقراطي ـ من أساسه ـ ونحن مغيبون تحت مظلات إدارات إعلامية كانت وما تزال لا تفرق بين النقد الإصلاحي لأداء الحكومات والمعارضة السياسية التي تستهدف وجودها أصلاً ..!
المدهش حقاً أن الحكومات المتعاقبة على هذا السودان كانت وما تزال بحاجة إلى مناقشة وعيها بقيمة الرأي المخالف، وإدراكها لخطورة غيابه على وجودها نفسه، واقتناعها بأن النجاح السياسي ببساطة لا يعني أكثر من أن البقاء للأذكى أي الأقدر على استثمار النقد الإصلاحي!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة