منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. استهبال رسمي..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. استهبال رسمي..!
“هنالك أزمة في الثقة وفقدان للشغف بين النخب والجماهير في السودان”.. الكاتبة..!
على الرغم من كل ما كشفته هذه الحرب من مستور النخب السودانية ما تزال بعض السياسية والإعلامية منها تتعامل مع عامة الناس كما لو كانوا تلاميذ في حصة إنشاء أدبي..!
يطل السياسي على الشاشة بوجه عابس كناية عن أهمية ما يتفوه به، يبيع خطاباً ساذجاً يخلط بين الريادة والوصائية. ويدبج الكاتب مقالاً مليئاً بالجمل الاستعراضية، كأنه يمن على القارئ بقطرة معرفة، وكأن هذا الشعب كائن بلا ذاكرة أو خبرة، ينتظر من يلقّنه الحقيقة..!
لكن الجماهير تعرف أكثر مما يظن هؤلاء. تعرف أن السياسي الذي يتحدث عن المصلحة الوطنية في المنابر، هو نفسه الذي قد يفاوض على حصة حزبه في الغرف المغلقة. وتعرف أن الإعلامي الذي يسكب مداد الوطنية على الورق، قد يقبض الثمن قبل أن يجف. لذلك، حين يُعاد تدوير الخطابات نفسها كل موسم، لا يشعر الناس بالدهشة بل يشعرون بالملل..!
الاستهبال النخبوي قائم على فرضية أن ذاكرة الناس قصيرة. لكن الحقيقة هي أن الذاكرة الجمعية معمرة. والناس يتذكرون كل وعود “المائة يوم”، ويتذكرون الحكومات التي جاءت لتبقى فقط ثم رحلت كما جاءت. يتذكرون فيضحكون كلما سمعوا وعوداً سياسية جديدة بفتح صفحات جديدة..!
سخط الجماهير واضح في السخرية الشعبية التي تسبق أو تعقب أي خطاب رسمي. لا يكاد السياسي يبدأ حديثه حتى تشتعل وسائل التواصل بالنكات. فالخطابات تبدو كعروض مسرحية باهتة، يعرف الجمهور نهايتها مسبقاً..!
وهنا يتجلى ذكاء الشارع، ليس في رفض الخطاب فقط، بل في تحويله إلى مادة للتندر. والمفارقة أن النخب نفسها تقع ضحية أوهامها. فالكاتب يتوهم أن اللغة المنمقة تكفي لتغطية رداءة المتون ..!
والسياسي يتوهم أن الجمهور سيصدق “أفلام الانفصال ومسرحيات التوافق”، دون أن يسأل، من المخرج، من الممول، من المستفيد؟. وهكذا يصبح الاستهبال متبادلاً بين نخبة تبيع الوهم، وجماهير تشتري الضحك..!
الأوهام – كالبضائع الرديئة – لها تاريخ انتهاء صلاحية. لهذا لا يسقط الوهم لأن الناس قد ثاروا ضده، بل لأنه ببساطة لم يعد صالحاً للاستعمال. ما كان يُسوّق يوماً كمبادرة وطنية صار الآن نكتة متداولة. وما قُدّم كموقف تاريخي صار مادة للتندر في الشارع..!
الاستعباط الأكبر يتمظهر حين تُستَخدم المثالية كغطاء للمصالح. بعض السياسيين يتحدثون عن التوافق وهم يتقاسمون الكعكة. وبعض الإعلاميين يرفعون شعار الحياد وهم وكلاء دعائيون. والنتيجة أن الشعب – الذي يُفترض أنه الطرف الأضعف – قد يجد نفسه البالغ الوحيد في غرفة مليئة بالأطفال المدللين..!
الجماهير لا تعادي النخب في جوهرها، لكنها تعادي الاستهبال. لا ترفض الطموح السياسي أو التفوق الإعلامي، بل ترفض تحويلهما إلى وسيلة استغفال. والدرس الأبسط الذي ترفض النخب تعلمه هو أن الناس قد يسكتون، لكنهم لا ينسون، وقد يضحكون، لكن لا يمكن خداعهم مرتين!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة