منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. أرواح غبيَّة..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. أرواح غبيَّة..!
“كل معرفةٍ لا تتنَوَّع لا يُعوَّلُ عليها، كل شوقٍ يَسكُن باللقاء لا يُعوَّلُ عليه، المكان إذا لم يؤنث لا يُعوَّلُ عليه، المكان إذا لم يكن مكانةً لا يُعوَّلُ عليه”.. محي الدين بن عربي..!
عندما يغلق ذلك الباب أياً كان نوعه لا شيء يجعل علاقة الزواج تصمد سوى مقدرة كل طرف على استيعاب الآخر، وهذه المقدرة قد يفتقر إليها بروفيسور جامعي أو رجل أعمال ثري أو طبيب أو موظف مرموق، بينما قد يمتلكها زوج متوسط التعليم والدخل والذكاء ..!
فالمقدرة على استيعاب الآخر أمر مرهون بقناعات كل شخص بتركيبة الطرف الآخر ومعرفة كل شريك لحجم مقدراته على التعايش مع النمط السلوكي الملائم لعيوبه ومزاياه ..!
هذا هو الثابت المنطقي الوحيد في علاقات الزواج وكل ما عداه تبقى متغيرات قاصرة عن الصمود أمام ديمومته إذا لزم الأمر، وإن كان المجتمع بأعرافه الخاطئة أحياناً قد يصر على إقناعنا بكونها ثوابت ..!
كثيراً ما يتداول الناس حكاية زوجين يشكل نجاح زواجهما كسراً لبعض الأعراف الراسخة، أن يكون الزوج وسيماً والزوجة دميمة، أن يكون أحدهما من طبقة اجتماعية مرموقة والآخر من طبقة متواضعة، أن ينتمي أحدهما إلى أصول عرقية يصعب في عرف المجتمع زواج أحد أفرادها من أصول الآخر، وهكذا .. إلخ .. فالمقياس الحقيقي هو ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، وكيف يستوعب كل طرف نقائص الآخر وكيف يستثمر رضاه عن مزاياه ..!
قد يحقق الرجل السعادة التي ينشدها مع امرأة تكبره سناً، وقد تتزوج الفتاة الثرية شاباً كادحاً وتسعد به رغم فقره، وقد تتزوج الشابة الجميلة رجلاً في عمر أبيها فتسعد، وقد تفشل غيرها مع شاب يقاربها سناً، وهكذا .. إلخ.. إنه ذكاء الأرواح الذي لا يباع ولا يهدى ولا يوهب ولا يشتري بثمن ..!
الناس لا يكونون على حقيقتهم إلا عندما يزيلون الأقنعة خلف الأبواب، ولكل منهم صورته التي يجتهد في رسمها أمام الناس، وصورته العارية أمام نفسه، وكلا الصورتين تمتزجان وتتداخلان لتكونا حقيقته التي لا يعرفها كاملة إلا شريك مؤسسة الزواج، والتي لا يقبلها كما هي إلا الشريك المناسب ..!
معظم الأزواج في مجتمعنا لا يدركون أن الفراق كائن حي له روح وأنفاس وروائح، كائن نزرعه نحن في رحم العلاقة فيتخلّق من طور إلى طور، نطفة، فمضغة فعلقة..!
الفراق فارس أصيل لا يغزونا بليل ولا يستبيح غفلتنا، بل ينذرنا بطبول حربه، يحشد جيوشه بما يكفي من الصخب، يتقدم بمارشاته العسكرية بما يكفي من الجلبة،يرسل فواتير بضاعته التي اشتريناها من قبل طائعين مختارين، يدق أبوابنا علناً نهاراً جهارا، لذا فالنهايات هي دوماً صنيعة أيدينا وإن تغابينا ..!
أكبر مشكلات الزواج في هذا المجتمع هي غباء الأرواح، ولأن أصحاب الأرواح الغبية يختارون شريك مؤسسة الزواج بمقاييس الصورة التي يحبون أن يراهم الناس عليها تنهار علاقات كثيرة على الرغم من توافر كل الشروط المنطقية لنجاحها في الظاهر..!
بينما ينجح أصحاب الأرواح الذكية الذين يسايرون أرواحهم في طرائقها ويواجهون أنفسهم بحقائقها فينجحون في تحديد مطالبهم ويعيشون وفقاً لمقدراتهم على الاحتمال والاعتدال في المنح والمنع والصفح والتجاوز ..!
ليس عدلاً بأية حال أن نختار الشخص الذي يلازمنا طوال العمر خلف باب مغلق وفقاً لأعراف وقناعات أناس آخرين سوف يبقون دوماً خارج ذلك الباب، وهم فوق ذلك كله لا يملكون مفتاحه!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة