مرام البشير تكتب : الإعتراف المر
مرام البشير تكتب : الإعتراف المر
“إذا أردت أن تحل نزاعاً مسلحاً بين جيش وطني وحركات متمردة عليك الإعتراف أولاً بالحكومة المركزية” هذه المقولة تعتبر مبدأ أساسي ومعروف في حل
النزاعات حول العالم ، لأنها ببساطة تعكس الفهم العام في العلاقات الدولية وعمليات السلام، حيث يُعتبر الإعتراف بشرعية وسيادة الحكومة المركزية خطوة ضرورية لبدء أي عملية تفاوضية مع الأطراف المتمردة ولضمان أن
تكون الحكومة شريكًا أساسياً وشرعياً في الحل.
إن الدعوة الرسمية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة السودانية لحضور محادثات وقف إطلاق النار المقررة في سويسرا في ١٤ أغسطس من العام
الجاري، والتي تعني الإعتراف ضمنياً بالحكومة السودانية وقيادتها وتعد أولى الخطوات اللازمة لبدء عملية التفاوض التي يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تنوي المضي فيها وإكمالها لنهاياتها ، وبغض النظر عن الدوافع
الأمريكية والتي لا يهمنا الخوض فيها نجد أن إصرارها على مشاركة القوات المسلحة السودانية في هذه المحادثات هو أمر يجب النظر إليه بعين الإعتبار، فنحن لسنا دعاة حرب ولم نسعي لإشعالها بل هي حرب فرضت علينا ؛ وأصبح جيشنا وشعبنا بين خيارين كل منهما
أصعب من الآخر ، أما أن نستمر في الدفاع عن بقاء دولتنا ونستعيد كرامتنا أو نرتهن للضغوط الداخلية والخارجية التي تسعى عدة دول لفرضها علينا بشتى الأساليب ،لذلك لم يكن أمام قيادة البلاد إلا أن تختار خيار الدفاع عن بقاء الدولة السودانية بكل ما أوتيت من قوة.
في المقابل فأن خطوات إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة وقف الحرب في السودان والتي بدأت منذ زيارة آبي أحمد للسودان مروراً بإتصال وزير خارجيتها أنطوني بلينكن بالرئيس البرهان وانتهاءاً بالدعوة الرسمية لحضور محادثات سويسرا، هذه
الخطوات لم تنفصل عن بعضها ولم تخرج من صياغ هدفها الأساسي وهو إيقاف الحرب منذ أن قررت أمريكا هذه الخطوات ، وربما كانت هناك أسباب ودوافع أمريكية وراء هذه الخطوات ولكن ما يهمنا كشعب سوداني ينشد رجوع بلادنا لمرحلة السلام والإستقرار أن لا نخوض
ونتجادل كثيرا حول هذه الدوافع بقدر ما يهمنا أن ننتهز هذه الفرصة السانحة التي أجتمعت فيها كثير من المعطيات المهمة لتكوين أرضية جديدة مشتركة
لإستعادة أمننا وسلامة شعبنا التي فقدناها بسبب الحرب ، يكون للسودان وحكومته الدور الأقوى في هذه الفرصة من ناحية فرض الشروط واقتراح البدايات والنهايات المرضية له في هذه العملية .
وبالنظر للتاريخ الإنساني الحديث والقديم فأن خيار السلام هو دائما الخيار الأسهل والأقل تكلفة من بين خيارات كثيرة منها استمرار الحرب إلى عقود طويلة ، لذلك فأن من يرى أن قيادة الدولة كانت ترفض خيار
السلام وتفضل الحرب فهو يرى بنظارة خضراء غير واضحة الرؤية لأن قيادتنا متمثلة في قيادات مجلس السيادة دائما ما كانوا يرددون أنهم ليسوا دعاة حرب ودائما ما كانوا يطالبون المليشيا أن تنفذ الإلتزامات والبنود التي وقعت عليها ، لأن أى عملية سلام يجب أن
تكون وفق أسس معينة وأول هذه الأسس الوفاء بالعهود ، وليس من المستغرب أن يتم إرسال وفد التفاوض بالأمس إلى مكان البداية وهنا أعني منبر جدة لأنه الأساس لأى عملية قادمة ، ولكي ينظر من جديد في
الإلتزامات والبنود التي لم تنفذها المليشيا ويتم النقاش حولها وحول مايمكن لأمريكا أن تقوم به حيال هذه المطالبات لا سيما أن المشاورات ستكون مباشرة مع الجانب الأمريكي في جدة.
أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بكثير من التطورات على صعيد المفاوضات التي تتزامن مع إنتصارات ميدانية للقوات المسلحة والتي نأمل أن تنتهي بنصر حاسم يخلص الشعب السوداني من هذه المليشيا الإرهابية والمتمردة.