مقالات

د. محمد مجذوب يكتب: حرب السودان بين يدي الرئيس السمسار

د. محمد مجذوب يكتب: حرب السودان بين يدي الرئيس السمسار

صناعة القرار في السياسة الخارجية الأمريكية عملية معقدة ومتشابكة تشمل الرئيس والكونغرس والمؤسسات الاستشارية مثل : مجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والدفاع والمخابرات)، كما تتأثر بعوامل داخلية وخارجية مثل الرأي العام، جماعات الضغط، الأحزاب، الفلسفة البراغماتية، والسمات الشخصية للقادة السياسيين؛ فالسياسة الخارجية الأمريكية تُشكل مزيجًا من العقلانية والتأثيرات البيروقراطية والذاتية، وتتطلب التوافق بين السلطات المختلفة لتحقيق أهداف الهيمنة أو المصالح الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه ارجاء العالم.

لكن منصب الرئيس؛ يعتبر هو صاحب القرار النهائي غالباً، لكنه مقيد بالكونغرس والمؤسسات الأخرى. باعتبار ان الكونغرس له سلطات تشريعية ورقابية وموافقة على المعاهدات، ويشكل تحديًا جديا للرئيس.

اما المؤسسات التنفيذية : كوزارة الخارجية، وزارة الدفاع (البنتاغون)، وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ومجلس الأمن القومي؛ فهم يلعبون أدوارًا محورية في تقديم المعلومات ووضع الخيارات والسناريوهات فى التعامل مع القضايا العالمية.

ككا هناك جماعات الضغط (اللوبيات) ؛ خاصة اليهودية، فانها تؤثر بشكل كبير على القرارات. اما المؤسسات البحثية (Think Tanks): فهي تقدم الاستشارات والتحليلات. فضلا عن دور الإعلام والرأي العام ؛ اللذان يؤثران علي تشكيل السياسة الداخلية والخارجية.

تعدد الجهات الحكومية والاهلية المساهمة في صنع القرار الأمريكي هو ما يفسر التباين الذي يبدوا فى الظاهر لنوع السياسة الخارجية الأمريكية المتبعة تجاه هذه القضية أو تلك من القضايا العالمية الحاضرة في العالم.

فى الحالة السودانية؛ فإننا نلاحظ أن مؤثرات اللوبيهات الإماراتية والصهيونية هي التي تتدفع بتوجهات الفوضي وتوسيع النفوذ الاماراتي فى السودان من خلال تحركات المبعوث الأمريكي الخاص مسعد بولس.
وفى المقابل فإن أجهزة السياسة الخارجية ممثلة فى وزارة الخارجية الأمريكية والمخابرات الامريكية والرأي العام والإعلام الأمريكي؛ هي أقرب إلى محاكاة الواقع السوداني والجرائم التى ترتكبها مليشيا الامارات فى السودان. وهنا يظهر دور النفوذ السعودي والضغط المصري التركي فى التأثير لصالح المصالح السودانية المتماهية مؤقتا مع مصالح الدول العربية والإسلامية المذكورة.

ولأن السلطة العليا للسياسة الخارجية الأمريكية موضوعة في يد الرئيس الامريكي؛ باعتباره الجهة التي لها حق الترجيح بين ما تقدمه له مختلف الهيئات والمؤسسات من سيناريهات مطروحة أمامه؛ فانه والرجوع إلى عقلية السمسار التي يتحلي بها الرئيسالامريكي الحالي؛ فإن الصواب والخطأ عنده سيقاس بالقيمة الأعلي فى المزاد السياسي المعلن أمامه؛ وهو في هذه الحالة مزاد النفوذ السعودي الإماراتي أيهما أعلي سعرا.

ولأن المؤسسات المعنية بالأمن القومي الأمريكي لها صوتها فى هذا الشأن؛ وهي التي يعنيها استقرار البحر الأحمر كبحيرة أمريكية وفضلا عن ابعاد النفوذ الروسي والصيني عنها؛ في حالة ذهاب السودان شرقا؛ فإن الكفة ستميل لصالح سيناريوا استقرار السودان ولو مرحليا؛ فالفوضي التي تصنعها الإمارات ستجعل السودان يتجه شرقا بغير رجعة.

وبالمحصلة فان مواقف الخارجية الأمريكية والإعلام الأمريكي وتقارير المخابرات المركزية الأمريكية؛ ربما شكلت العناصر الأكثر أهمية والمرجحة في صنع القرار الأمريكي تجاه حرب السودان؛ ولكن هذا لن يصل إلى حد فرض عقوبات على الإمارات؛ صاحبة الصفقات المربحة مع الرئيس السمسار. ولكنه قد يعني رفع يدها تدريجيا مع الحفاظ عليها كبقرة حلوب تدر المليارات للخزانة الأمريكية البراغماتية التوجه الفلسفي.

كل البلدان التي دخلتها الأيادي الأمريكية لم تخرج معافاة بالكامل ؛ ولذلك لا يجب وضع البيض في السلة الأمريكية؛ بل المطلوب إحداث احتراق عسكري يحقق نصرا مباشرا على المليشيا؛ كما يجب إحداث اختراق سياسي فى السودان يعيد الاستقرار ويُنهي نفوذ الخارج ويضع السودان علي طريق النهضة ويحتوي الصراعات الداخلية إلى الأبد؛ فالحلول الحقيقية هي ما يصنع في الداخل لا في الخارج.

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى