مقالات

محمد عثمان النبوي يكتب: ..بهدوء وتدبر ..نملة سليمان… حين تكلّم العلم بلغة القرآن

محمد عثمان النبوي يكتب: ..بهدوء وتدبر ..نملة سليمان… حين تكلّم العلم بلغة القرآن

 

 

ورود النملة في القرآن الكريم كان إيحاءاً إعجازياً يحمل من المعاني والحقائق ما لم تصل إليه أعظم المختبرات العلمية إلا بعد قرون طويلة . ولم يكن ورودها مجرد إشارة عابرة أو تذكير بكائن صغير .
ففي مشهد دقيق رسمه القرآن في سورة النمل ورد قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا۟ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

آية واحدة لكنها تنطوي على حقائق مذهلة ، ظلت دهورًا طويلة في طيّ الغيب . وقد أثبت العلم الحديث دقة هذه الآية بصورة مدهشة.
وقد قال مفسرون أن وادي النمل واد في اليمن وقال آخرون انه في الطائف إلا أن دراسة منشورة في مجلة Journal of Insect Behavior عام 2020 كشفت أن تحركات النمل المتكررة في التضاريس المفتوحة تُنتج ما يشبه الأودية الدقيقة التي تحفرها أرجل النمل ، وهو ما اعتبره العلماء بنية تشبه الوادي الفعلي . مما يمنح للفظ “وادي النمل” معنىً واقعياً دقيقاً . إذ نكتشف فيها أن للنمل وادياً ومساكن .

ووضحت الآية الكريمة أن النمل يتواصل ، ويتنبّه ، ويخطّط ، ويتوقّى الخطر ، بل ويعذر خصمه ، ويُحسن الظن بنيّاته .
هذه النملة – بما أوتيت من فطرة وهداية – لم تُطلق تحذيرها عشوائياً ، بل رصدت قدوم جيش عظيم ، وميّزت قائده سليمان ، ووعت نوع الجيش بأنه من بشر وجن وطير . ثم خاطبت قومها بلغة واضحة وهدف واضح : وهو الاحتماء . ولم تكتف بذلك ، بل برّرت التحذير بأن هذا التحطيم غير مقصود: “وهم لا يشعرون

” .وقولها : وهم لا يشعرون إشارة إلى الدين والعدل والرأفة . ونظير قول النملة في جند سليمان : وهم لا يشعرون قول الله تعالى في جند محمد صلى الله عليه وسلم : (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَـُٔوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌۢ بِغَيْرِ عِلْمٍ) التفاتاً إلى أنهم لا يقصدون هدر مؤمن . إلا أن المثني على جند سليمان هي النملة بإذن الله تعالى ، والمثني على جند محمد صلى الله عليه وسلم هو الله عز وجل بنفسه .
كما أثبتت دراسات حديثة (Nature Scientific Reports – 2022) أن للنمل لغة صوتية حقيقية ،

يصدرها من أعضاء دقيقة بجسمه تُسمى stridulatory organs، وتم التقاط هذه الأصوات الدقيقة بتقنيات فريدة مثل Laser vibrometry ، مما يثبت إمكان قول النملة كما ورد في النص القرآني .
ولم تتوقف الاكتشافات عند هذا الحد ، بل أكدت مجلة Science أن النمل يتمتع بدماغ معقّد مكوّن من فصين ، لهما القدرة على التمييز واتخاذ القرار ، والتخطيط ، وهي صفات أظهرتها النملة حين ميّزت بين الجيش والنوايا وطلبت الاحتماء.

ولفظ “يحطمنكم” لم يأتِ مجازاً بل دقة علمية، إذ إن الدراسات البيولوجية، مثل تلك المنشورة في مجلة Biomaterials، أظهرت أن جسم النملة مكون من الكيتين الصلب القابل للتحطم وليس التمزق، مما يجعل السحق يؤدي إلى تحطم فعلي ، لا مجرد إتلاف ناعم .
كما تبيّن أن للنمل مساكن دقيقة التنظيم تحت الأرض ، تحوي حجرات متعددة للغذاء والبيض والتربية ، وأن بعض النملات تمارس الزراعة ورعي الحشرات التي تفرز سكريات يتغذى عليها النمل ، بل وتمارس عمليات تشبه الجراحة الأولية لعلاج جروح بعض أفرادها .

وقد رُصدت كذلك ظواهر اجتماعية مدهشة مثل وجود مقابر جماعية للنمل ، وسلوكيات تمريض لصغارها ، وتمييز وظيفي للأفراد بحسب الدور ، تماماً كما تفعل المجتمعات البشرية المتقدمة.
المثير أن كل هذا يُدار ليس بذكاء فردي فقط ، بل بما يُعرف علميًا اليوم بالذكاء التشاركي (Collective intelligence) ، حيث تتخذ مستعمرة النمل قرارات جماعية دقيقة ، الأمر الذي يتسق مع خطاب النملة الواحدة باسم جماعتها.

ومما يستحق التأمل أن النملة لم تُحذر فحسب ، بل قدّرت أن التحطيم قد يكون غير مقصود ، فقالت : “وهم لا يشعرون”. وقد أثبتت دراسات من Behavioral Ecology أن النمل قادر على تعديل استجابته حسب المواقف المتكررة، بما يشبه التقدير المبدئي للنوايا ، وهو ما يجعل هذا التعبير القرآني مدهشاً في دقته النفسية والعصبية .

إن ما ورد في القرآن الكريم عن النملة لم يكن خطاباً بلاغياً أو تصويراً أدبياً، بل كان تصويراً علمياً بالغ الدقة .
لم ينتظر القرآن حتى تكتشفه العلوم الحديثة إنما سبقها وأرشدها ، ليرتفع العقل الخاشع بالتأمل فوق العقل الغافل عن التدبر ، وليقول المتأمل في نهاية المطاف : “رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَٰنَكَ”.
فليتنا نعي عظمة هذا الكتاب ، ونتدبر آياته بعقل العلم وقلب الإيمان ، فإن فيه من البراهين ما يغنينا عن التبعية العمياء ، وفيه من الهداية ما لا مزيد عليه.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى