محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: سؤال ينتظر الإجابة ؛ لماذا الإصرار على وضع خاطيء

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: سؤال ينتظر الإجابة ؛ لماذا الإصرار على وضع خاطيء
السؤال التالي في منتهى العمق والدقة، ويضرب في صميم المسألة التي يتجاهلها كثير من صُنّاع القرار أو يتهربون منها، وهي:
إذا كان التداول في العملات الأجنبية يتم فعلياً الآن عبر السوق الموازي، فلماذا لا تُعلن الدولة تحريره رسمياً؟ وما الضرر إن فعلت؟
الإجابة واضحة ومحددة وهي أنه لن يحدث أي ضرر جديد عند إعلان تحرير التداول في العملات رسمياً، بل العكس فسوف تتفكك منظومة الفوضى والفساد القائمة حالياً تلقائياً وستُجنى فوائد ضخمة على المستوى الاقتصادي والمؤسسي والأخلاقي.
ففي الوضع الحالي تقيد الدولة اسعار العملات بالسعر الذي يحدده البنك المركزي وتحظر الدولة رسمياً التداول الحر للعملات، وتحدد سعراً رسمياً للدولار (1,900 جنيه تقريباً).
لكن في الواقع لا أحد يستخدم هذا السعر لا التجار ولا المغتربون ولا المستوردون ولا حتى المسؤولون بينما يعمل السوق الحقيقي حراً بفعل آلية العرض والطلب . والجميع يتعامل بسعر السوق الموازي (2,700 جنيه تقريباً)، بمن فيهم المؤسسات الرسمية والوزراء والمسؤولون عند احتياجهم للعملة.
وهذا في الحقيقة نفاق اقتصادي مقنن، وسوق سوداء تنمو في الظل بلا تنظيم، وبلا فائدة تعود للدولة.
إذاً ما الذي سيحدث إن أعلنت الدولة تحرير التداول رسمياً؟
أولاً ما لن يتغير هو الطلب على الدولار فهو لن يزداد لأنه موجود أساساً للاستيراد والسفر والعلاج والتحويلات وغيره .
● العرض من السوق الموازي سيظل كما هو مبدئياً، لأن من يبيع الدولار الآن سيستمر في بيعه.
● سعر الصرف لن يقفز فجأة؛ لأنه محرر فعلياً الآن ويخضع بالفعل لموازين العرض والطلب .
لا مغترب سيبيع دولاراً أكثر مما يحتاج، ولا مستورد سيستورد أكثر لمجرد أن السعر تم تحريره رسمياً فهم يتصرفون وفق الحاجة الفعلية .
ثانيًا: ما سيتغير في الأثر الإيجابي المباشر يشمل الاعتراف الرسمي بالواقع مما ينهي النفاق الاقتصادي وازدواجية المعايير.
تحويل السوق الموازي إلى سوق رسمي بحيث تتحول المليارات اليومية من الظل إلى البنوك الرسمية.
دخول تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية مما يجعل الأموال تنساب عبر النظام المصرفي بدلًا من “السريحة والسوق الأسود الموازي”.
اختفاء الفساد والسمسرة من بيئة السوق الخفي التي تحتكرها فئة محدودة تربح على حساب الناس.
تحرير السعر وعلنيته تعزز ثقة المستثمرين وهي الجاذب الأول والأساسي للمستثمر المحلي والأجنبي الجاد ومن أول شروطه .
يمكن للبنك المركزي والمالية والتخطيط من تحقيق الشفافية في المعلومات والبيانات ومراقبة السوق الحقيقي، ووضع سياسات فعالة.
تيسير إجراءات البيع والشراء على الأُسر والمواطنين، وحمايتهم من الغش والابتزاز والتزوير.
تمكين النظام الضريبي من تحصيل الضرائب والرسوم من التداول الرسمي، بدلاً من اقتصاد الظل الذي لا تتمكن من تحصيل شيء عبره .
إذاً من المؤكد أن ضرراً حقيقياً يحيق بالدولة من عدم تحرير العملة وهو :
استمرار خسارة الدولة لعائدات ضخمة من التحويلات والاستيراد والتصدير.
تكريس منظومة الفوضى والمضاربات والتهريب والرشاوى.
ضعف الثقة في الجهاز المصرفي الوطني.
شلل الاستثمارات نتيجة غياب الشفافية.
تآكل قيمة الجنيه دون أن تُتاح أدوات حقيقية لعلاج الانهيار.
احتقار القانون نفسه، لأن الجميع يخالفه، بدءاً من المواطن العادي وحتى الوزير!
التحرير المعلن ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل هوقرار وطني شجاع، وأقلّ ما يمكن فعله لتصحيح الواقع الذي أصبح مُحرجاً وعقيماً ولا يمكن الدفاع عنه.
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أن نبقي على سياسة تحديد سعر الصرف الرسمية الحالية، فندعم التحرير الخفي والمحتكرين، ويستمر الضرر ونخسر الفوائد.
وإما أن نحرر سعر الصرف، فندعم التحرير المعلن المقنن، ونقضي على الاحتكار الخفي، ويزول الضرر ونكسب الفوائد.
ولا نرى أن هناك خيار ثالث أو حجة أخرى معتبرة .
أليس الاضطرار لشرح هذه الحقيقة الواضحة كالشمس جديراً بالعبارة العربية الشهيرة “من المعضلات شرح البدهيات”؟
وإن لم تكن هذه هي البدهيات، فما تكون؟؟؟
ويبقى السؤال قائماً يا أيها الداعمون لسعر الصرف المقيد الذي لاوجود له عملياً وتطبيقياً،
المانعون بإصرار تقنين سعر صرف العملة الموجود والمسيطر والمطبق عملياً ، لماذا الإصرار على وضع خاطيء غير مبرر
رغم أن سريان قانون العرض والطلب متحقق فعلياً في كل الأحوال،
والفرق فقط أن ترك الأمر على هذا المنوال وعدم تقنين التحرير المطبق واقعاً بالسوق الموازي،
محصلته دعم المحتكرين، وتعظيم ثرواتهم، والتعسير على الشعب، وتحطيم الدولة، وقتل الاستثمار، وإبقاء الضرر، ومنع الفوائد… فلماذا؟؟؟
محمد عثمان الشيخ النبوي