مقالات

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..حصار الإمارات للسودان: فرصة لتصحيح مساره التجاري

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..حصار الإمارات للسودان: فرصة لتصحيح مساره التجاري

 

 

ليتنا نستفيد من التنبيه الصارخ الحاد بقرار الإمارات بوقف حركة النقل الجوي والبحري مع السودان ، ومنع مرور السفن المتجهة من وإلى الموانئ السودانية عبر موانئها . وليتنا نعتبر القرار الإماراتي حافزاً لتسريع التحرر من الاعتماد على الموانئ الوسيطة التي تتحكم فيها اعتبارات سياسية ، والانطلاق نحو منظومة ملاحية وتجارية مستقلة .
ويستدعي هذا الوضع نمطاً مختلفاً يختلف عن طريقتنا المعتادة في معالجة الأزمات التي تتسم بالبطء والتردد في اتخاذ القرار والنظر من زوايا جزئية ضيقة ، فالظرف لا يحتمل إلا القرار الحازم المحكم المبني على رؤية متكاملة .

ومثل هذه الضغوط ليست جديدة على السودان الذي اعتاد التعامل مع الحصار والعزلة الاقتصادية منذ ثمانينات القرن الماضي ، حين كانت الولايات المتحدة تفرض عليه قيودًا صارمة في ظل هيمنة مالية دولية أحادية القطب ، ومع ذلك استطاع الاقتصاد السوداني آنذاك تحقيق قفزات لافتة ، خاصة بين منتصف التسعينات وبداية العقد الثاني من الألفية ، حيث توسع الإنتاج النفطي وتنامت الصادرات نسبياً وتحسنت البنية التحتية.

أما اليوم، فقد تغير المشهد العالمي تغيراً جذرياً ، إذ لم تعد القوى الاقتصادية مركزة في قطب واحد ، وظهرت تكتلات جديدة وأنظمة دفع بديلة بقيادة دول صاعدة كالصين ، ما يقلل من تأثير أي محاولات لعزل السودان اقتصادياً . ويضاف إلى ذلك أن البلاد تمتلك قاعدة واسعة من الموارد الاستراتيجية المتنوعة ذات الميزات النوعية ، التي يمكن أن تحقق طلباً عالمياً أكبر إذا زيد إنتاجها وطُوّرت أساليب معالجتها وتصنيعها وتسويقها بكفاءة عالية .

وهذا القرار قد يسبب تعقيدات فورية في مسارات التجارة ،
حيث أن ما يقارب 40% من حركة التجارة البحرية السودانية كانت تمر عبر الموانئ الإماراتية .
، ولكن ذلك يمكن استدراكه عبر إعادة توجيه هذا الحجم
نحو مسارات بديلة بكفاءة أعلى مما يخفض
التكلفة والزمن بشكل ملموس ، ويعزز قدرة السودان على تقرير مساره التجاري بعيدًا عن الضغوط الخارجية .

وعليه فإن التحدي الحالي يمكن أن يتحول إلى فرصة تاريخية لبناء استقلال ملاحي وتجاري حقيقي ، شريطة أن تتوافر الإرادة والجرأة لبدء الإصلاحات الجذرية فورًا ، واتخاذ خطوات إسعافية عاجلة في سبيل إيجاد مسارات بديلة يمكن تنفيذها فورًا بخطي محسوبة بدقة وهي :
تفعيل مسارات بديلة ، أبرزها ميناء صلالة في سلطنة عمان لما يتمتع به من موقع استراتيجي على خطوط الملاحة العالمية ، وكفاءة تشغيلية مرتفعة ، وتكلفة مناولة أقل من متوسط المنطقة ، ما يتيح تقليص زمن الدورة التجارية للسودان بشكل ملموس .

كما يشكل ميناء جدة الإسلامي خياراً قريب المسافة للموانئ السودانية ، خاصة في شحن المنتجات الزراعية الطازجة ، بفضل زمن الإبحار القصير للسفن السريعة .
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذه البدائل، يلزم إعادة ترتيب عقود ومسارات الشحن بشكل عاجل ، وتوقيع اتفاقيات خاصة لتسهيل الإجراءات وخفض الرسوم ، ورفع جاهزية الموانئ السودانية للتشغيل المتواصل ، وإنشاء مركز متابعة لوجستي لإدارة عمليات النقل والتخليص لحظة بلحظة .

لكن هذه التدابير المؤقتة يجب أن تكون بداية لمسار أطول وأعمق ، يهدف إلى تحويل السودان إلى مركز محوري للتجارة البحرية ، عبر تطوير وتوسيع الموانئ القائمة ، وإنشاء مرافق متخصصة بشراكات عالمية محايدة سياسيًا ، وربطها بممرات لوجستية حديثة تصل إلى العمق السوداني ، مع إمكانية استخدام نهر النيل مستقبلًا كخط نقل داخلي وخارجي ، إضافة إلى إنشاء مناطق حرة متقدمة تعزز نشاط التصنيع وإعادة التصدير .

تحقيق هذه الأهداف يتطلب إطلاق إصلاحات اقتصادية شاملة بإيجاد البيئة العامة الصحيحة القائمة على تحرير اقتصادنا بالكامل وضبط أداء كل مرافق الدولة بنظام رقمي شامل ، بحيث تُزال القيود البيروقراطية عن التجارة ، وتتحول الموانئ إلى نقاط تنافس عالمي من حيث الكفاءة والتكلفة ، وتُعتمد أنظمة رقمية متطورة لإدارة الجمارك والمناولة والضرائب والرقابة ، بما يختصر زمن التخليص من أيام إلى ساعات ، ويتيح تتبع الشحنات آنياً ، ويوفر بيئة استثمارية شفافة تجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية .

إن قرار الإمارات الرامي إلى عزل بلادنا وخنقها اقتصاديا يمكن أن يتحول إلى خطوات واثقة نحو تحرير سيادتنا واقتصادنا وتبادلنا التجاري الدولي والمضي بجدية لتحقيق بيئة إقتصادية معافاة من القيود وقرار وطني مستقل تتكامل به عناصر انطلاقتنا نحو النهضة .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى