مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..رحيل القلم الناصح: محمد أحمد مبروك

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..رحيل القلم الناصح: محمد أحمد مبروك

 

 

في صباح الثلاثاء 23 سبتمبر 2025م، أسدل الموت ستاره على الكاتب والصحفي المعروف محمد أحمد مبروك، بعد صراع قصير مع حمى الملاريا الخبيثة. غاب الجسد، لكن القلم لم يغِب؛ بقي حاضرًا حتى اللحظة الأخيرة، شاهدًا على زمن بأكمله، ومذكّرًا بأن الكلمة الصادقة تسبق الأجل وتبقى بعد الرحيل.

عرفه السودانيون على مدى عقود طويلة كاتبًا جادًا ومؤرخًا حاضرًا في الشأن العام. لم يكتف بالنشر والكتابة، بل أدار الحوارات، وأجرى اللقاءات، وسعى إلى تقديم الرؤى الإصلاحية بلسانٍ متزن وعقلٍ منشغل بقضايا وطنه. كان رجلًا سهل العشرة، بشوش الوجه، دمث الأخلاق، عاملاً دؤوبًا في سبيل النصيحة، حريصًا على أن يؤدي مسؤوليته في حمل الكلمة كما ينبغي.

وعلى الرغم من أن معرفتي به لم تمتد إلا إلى العقد الأخير من حياته، إلا أنني وجدت فيه صدقًا وجدية، ورأيت سعة صدره وحرصه على أن يُسمع صوته بالحكمة والموعظة الحسنة. وما لمسـته كان صدى لمسيرة عمرٍ طويل قضاه في خدمة القلم والمشاركة في قضايا الناس.

كان مبروك قريبًا من هموم وطنه في العمق. كتب عن الملاريا محذرًا من فتكها، ونبّه إلى خطر المخدرات، وطرح رؤى لمعالجة أزمات الاقتصاد التي أنهكت معاش الناس. لم يكن قلمه ترفًا ولا هواية، بل ممارسة إصلاحية صادقة، جعلته شاهدًا على زمنٍ وضميرًا حيًا للشأن العام.

وقد ورد عن النبي ﷺ قوله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». وما تركه محمد أحمد مبروك من أثر مكتوب وعمل نافع، يُرجى أن يبقى – بإذن الله – صدقةً جارية له.

وما أصدق الشاعر في وصف حال الدنيا وتقلبها:

حُكمُ المنيّةِ في البريّةِ جاري
ما هذه الدنيا بدارِ قرارِ

بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً
حتى يُرى خبراً من الأخبارِ

طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدُها
صفواً من الأكدارِ والأقذارِ

فالعيشُ نومٌ والمنيةُ يقظةٌ
والمرءُ بينهما خيالٌ ساري

وإني أشهد أنني وجدت فيه باعثًا للجدّ والاجتهاد، إذ كان – رحمه الله – من أسباب دفعي إلى مواصلة الكتابة الصحفية الأخيرة تحت عمودي هذا “بهدوء وتدبر“، فضلًا عن غيره من المؤثرات التي بقي أثرها. فكان في حياته معينًا على الخير، وفي رحيله مذكّرًا بواجب حمل القلم مواصلةً لنهجه وتكريسًا للسعي النافع.

رحم الله الأستاذ محمد أحمد مبروك رحمةً واسعة، وغفر له بفضله وكرمه، وألهم آله وذويه وتلاميذه ومحبيه جميل الصبر وحسن العزاء.

﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى