محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..أكل ميراث النساء في السودان جريمة اجتماعية مغلفة بالصمت

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..أكل ميراث النساء في السودان جريمة اجتماعية مغلفة بالصمت
من أعظم صور الظلم التي تفشّت في المجتمع السوداني وأصبحت من العادات الموروثة التي تُمارس بلا خوف من الله ولا وازع من ضمير: حرمان النساء من حقهن الشرعي في الميراث، بل وأحياناً يصل الأمر إلى أكل أموال اليتامى والضعفاء بالباطل، دون خجل أو خوف من العقوبة الإلهية.
وهذه الجريمة ليست مجرد مخالفة فقهية، بل هي جريمة أخلاقية وقانونية وشرعية تضرب وحدة الأسرة وتفكك روابطها.
فقد صارت كثير من النساء في السودان – خاصة في المناطق الريفية والقبلية – يُحرمن من نصيبهن في إرث والدهن أو أزواجهن تحت ذرائع باطلة، منها:
“المرأة تتزوج وتذهب لبيت زوجها”.
“الرجل أحق لأنه يحمل اسم الأسرة”.
“الميراث سيخرج من القبيلة إذا أخذته المرأة”.
“البنات أصلاً عندهن أزواج يصرفوا عليهن”.
أولاً: باسم هذه التقاليد الجائرة، تُغتصب حقوق واضحة بيّنة فَرَضها الله في كتابه الكريم وتُحرم المرأة من أن تأخذ ما كتبه الله لها، وكأن الآيات القرآنية لا تعنيها أو تعنيهم!
ثانياً: خطورة الظاهرة وأثرها الاجتماعي يتمثل في تفكيك الأسرة وتقطيع الأرحام فيصبح الإخوة خصوماً لأخواتهم، وتُزرع الكراهية بدل المحبة.
شيوع الظلم والبغي فيأكل القوي مال الضعيف، ويستولي الكبير على حق الصغير، وتُجرد المرأة من أدنى حقوقها.
شيوع الفقر والعوز بين النساء والأرامل واليتامى فترى المرأة تسكن بالإيجار وتعمل في مشاق الحياة، بينما ميراثها في يد قريب قوي متسلط.
طمس معالم الشريعة الإسلامية عبر الاستهانة بأحكام المواريث المفصلة في القرآن الكريم وتقديم العرف الجاهلي عليها.
ثالثًا: الميراث في الشريعة نظام إلهي لا اجتهاد فيه
قَسَّم الله تعالي الميراث بنفسه، ولم يتركه لاجتهاد عالم ولا عرف قبيلة، فقال تعالى : ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ… ﴾ [النساء]
وفي حديث جابر بن عبدالله، لما جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى النبي ﷺ وقد أخذ العم مالهما، قضى لهما بالثلثين، ولأمهما بالثمن، والباقي للعم، وهذا أصل شرعي في إنصاف النساء في الميراث.
فالمواريث ليست خاضعة للأهواء أو العادات، بل هي “فرائض” من الله لا يجوز تجاوزها.
رابعًا: هناك عقوبات شرعية لمن أكل الميراث ظلماً فمن يأكل الميراث بغير حق، خاصة من النساء، فقد وقع في عدد من الكبائر:
ظلمٌ بيّنٌ وقد حرّمه الله على نفسه وعلى عباده، كما في الحديث القدسي: ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))
تعدٍّ على حدود الله ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا… ﴾ [النساء]
أكل أموال الناس بالباطل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة]
بغيٌ وقطيعة رحم: قال ﷺ: ((ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)).
خامسًا: من الأسباب والعوامل المساعدة على تفشي الظاهرة الجهل بأحكام الشريعة، وغياب التوعية.
غلبة الأعراف القبلية على الشريعة.
ضعف شخصية النساء في المطالبة بحقوقهن.
سكوت المجتمع وتطبيع الظلم.
تقاعس الدولة عن فرض العدالة.
سادساً: ولعلاج هذه الظاهرة البغيضةيجب أن تتضافر مجموعة عوامل :
التوعية المجتمعية الشاملة عبر الخطب والدروس ووسائل الإعلام عبر حملات توعية مستمرة وفضح التحايل على المواريث، وبيان خطره. .
إدخال موضوع المواريث في المناهج الدراسية.
تمكين النساء قانونياً بتسهيل إجراءات المطالبة بالميراث وتخصيص خطوط قانونية مجانية لتقديم الدعم.
تأكيد دور الدولة والقضاء بسن قوانين صارمة ضد من يحرم الورثة من حقوقهم. وفرض عقوبات رادعة على من يثبت عليه أكل الميراث ظلماً.
إصدار فتاوى واضحة تتناول هذه الظاهرة من المؤسسات الدعوية .
تدخل كبار العائلة، والوجهاء بالإصلاح والدفاع عن حقوق النساء واليتامى وعدم التواطؤ مع الظالمين بذريعة ان الامر لا يخصهم مما يدخلهم في وعيد الله لمن كتم الشهادة وسكت عن قول الحق .
نشر ثقافة الدفاع عن العدل والحق، بدل استخدام مصطلح “السكوت من ذهب” استخداما خاطئاًوفي غير موضعه .
سابعاً : إننا – رغم أهمية كل ما سبق أن ذكرنا– لن نبلغ الحل الجذري الكامل لهذه الجريمة الاجتماعية المزمنة إلا إذا أنزلناها منازلها الواقعية، وربطنا علاجها بأصلين عظيمين لا يتم الإصلاح الشامل إلا بهما وهما التحرير الاقتصادي المطلق: لأنه يرفع الحاجة عن الذي بيده المواريث ويجعله في غنى عن الحاجة لحق غيره بتحسن أوضاع الأقتصاد عامة ويمكن الدولة من اغتناء خزينتها بكثرة تدفق الموارد، مما يعطيها القدرة المالية الفعلية على دعم أدوات العدالة، وتوفير بيئة متوازنة للإنصاف الحقيقي.
الضبط الشامل لأجهزة الدولة الذي يعني تفعيل كامل مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء، مما يمكنه من سرعة الاستجابة لشكاوى النساء، وفرض سيادة القانون على الجميع بلا تمييز ولا تباطؤ.
فلا يُتصور أن تقوم دولة مشلولة اقتصادياً، أو مختلة وظيفياً، أو مستسلمة للفوضى الإدارية، بحماية حقوق النساء في المواريث أو غيرها.
وإنما تُحمى الحقوق وتُستأصل مظالم العادات إذا كانت الدولة غنية الموارد، قوية البنية المؤسسية، محررة من العوائق التنظيمية، وحازمة في إنفاذ الشريعة والقانون.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ… ﴾
محمد عثمان الشيخ النبوي