مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..تدهور بيئة البلاد العامة الشاملة : خطر يهددنا وإصلاح ممكن

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..تدهور بيئة البلاد العامة الشاملة : خطر يهددنا وإصلاح ممكن

 

 

الخطر الذي يغفل عنه كثيرون هو التدهور الكبير الذي حاق بالبيئة العامة الشاملة في بلادنا ، ليس فقط البيئة من وجهها الصحي . وبدون إصلاح هذه البيئة لا يمكن إصلاح شيء أو علاج مشكلة أو تحقيق نهضة أو تقدم .
إن إصلاح البيئة العامة في السودان هو المدخل الحقيقي لأي نهضة شاملة ، لكننا لا نحتاج إلى نوايا فقط ، إنمانحتاج إلى رؤية عملية وخطوات واضحة تنتقل من علم التخطيط إلى علم التغيير. فالتخطيط يرسم الطريق نحو الهدف ، بينما يضمن التغيير أن نتحرك فعلاً في ذلك الطريق وننجح في مواجهة التحديات وتحريك الواقع نحو المأمول.

وإصلاح البيئة العامة لا يعني فقط تنظيف الشوارع أو ترميم المباني ، إنما يتجاوز ذلك ليشمل البيئة المؤسسية والإدارية والقانونية والسياسية والاجتماعية التي تشكل حياة الناس اليومية .
وتحتاج هذه المهمة الكبرى لإنشاء كيان مركزي مستقل يتبع مباشرة لرئيس الوزراء، يكون هو “المجلس الأعلى لإصلاح الدولة”، يُناط به الشروع الفوري في إعداد التصور الكلي والخطط العملية لكافة محاور الإصلاح التي أصبحت معلومة، بما يشمل وصف البرامج، وتحديد الأولويات، ووضع آليات الإنجاز، وضبطها بمقاييس أداء ومواقيت محددة، وتحت رقابة ومحاسبة صارمة.

ويجب أن يتكوّن هذا المجلس من كفاءات علمية وفكرية ذات خبرات عملية عالية ، قادرة على تفعيل الرؤية وضمان التنزيل السليم للخطط ، وأن تكون الرؤية الكلية للتخطيط والتنفيذ واضحة ومتفَقاً عليها بين أعضاء المجلس الأعلى ورئيس الوزراء نفسه.
ولكي يحقق المجلس أهدافه المحددة في إصلاح بيئة البلاد العامة الشاملة يتوجب عليه:

إصدار الحزم التنظيمية والتشريعية الضرورية لتنفيذ البيئة الأساسية التي يتحقق بها وداخلها الإصلاح المنشود ، والتي توفر الأدوات والمعينات اللازمة لتحقيق الإصلاح الكلي وهي التحرير الاقتصادي الشامل، بما في ذلك تحرير سعر صرف العملات الوطنية والأجنبية ، وتوحيد وتحرير سوق النقد بالكامل، بالتنسيق مع الجهات المعنية مثل بنك السودان المركزي.

إنشاء منصة مركزية موحدة لمتابعة السعر العادل للعملات وفقاً لآلية العرض والطلب فقط دون أي تدخل، لضمان الشفافية والاستقرار، وإنهاء تعدد الأسعار وتشوهات السوق، ولتكون هذه المنصة مرجعية وطنية معترفاً بها محلياً ودولياً.
تنفيذ التحول الرقمي الشامل لا الجزئي بحيث يبدأ المجلس برقمنة الدولة بإنشاء بوابة خدمات موحدة ، وأرشفة السجلات الورقية ، وربط الهوية الوطنية بالمعاملات كافة ، وإلغاء التعامل الورقي تدريجياً وذلك عبر شراكات تقنية محترفة وتدريب للكوادر، وتأسيس بنية تحتية قوية.

وضع أهداف قابلة للقياس، مثل تحقيق نسبة محددة من الخدمات الحكومية عبر بوابة رقمية موحدة ، و خفض زمن الإجراءات الحكومية بنسبة معينة، و تحسين ترتيب السودان في مؤشرات الشفافية وسهولة الأعمال.
إعداد برنامج تنفيذي متكامل بموازنات وسقوف زمنية ومسؤوليات واضحة ، وأدوات دقيقة لقياس الأداء .
إصلاح الدولة عبر تعديل الإطار التشريعي والقانوني الذي يحكم عمل المؤسسات ، فلابد من تنقية القوانين من التعارض وتبسيطها وسن تشريعات جديدة تواكب عصر الرقمنة والحوكمة الرشيدة.

إصلاح الخدمة المدنية من خلال إعادة هيكلة المؤسسات، وتحديد المهام ، وفصل الوظائف المتداخلة ، والتحول من التوظيف الأبدي إلى عقود الأداء ، وربط الترقي بالإنجاز لا بالولاء.
تدريب الموظفين على أدوات الإدارة الحديثة والمهنية وروح المسؤولية وفق منظومة مهنية شفافة وعادلة.
تفعيل الرقابة لضمان التنفيذ وردع الانحراف بإنشاء جهاز رقابي فعال، وتطبيقات ذكية تتيح للمواطن الإبلاغ، ولوحات مؤشرات تنشر للناس لترى من أنجز ومن قصّر.
ويجب أن يُدخل هذا الالتزام في صلب التشريع، بحيث يُحمى من التراجع عبر نصوص دستورية وقوانين مُلزمة ، مع الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في الإصلاح ، وتوظيف خلاصة ما وصلت إليه من أدوات ومعايير وخبرات عملية قابلة للتطبيق.

هكذا يتحول الإصلاح من مجرد شعارات إلى عمل يومي منظم، ومن نداءات عامة إلى خطوات واقعية تُنفَّذ وتحظى بثقة الناس. وما لم نبدأ من إصلاح البيئة التي يعمل فيها الإنسان، فلن ننجح في النهضة التي نحلم بها. فهذه البيئة هي الأرض التي تنبت فيها كل مشاريع التغيير، فإن أصلحناها صلح كل شيء، وإن أهملناها فلا شيء سينجح ولو أنفقنا أطناناً من الكلام، وأسندنا المناصب إلى أفاضل العلماء، لأن البيئة الخربة تُفسد حتى أعظم العقول.

إن هذه الحزمة، إذا ما نُفذت كمنظومة واحدة متكاملة بالتوازي، أصلحت البيئة الكلية، ونهضت بالبلاد تدريجياً وبسرعة، واغتنت بها الدولة والشعب معاً، أما إذا أُجّلت أو جُزّئت أو أُفرغت من مضمونها ، فسنظل ندور في ذات الدائرة العقيمة كما دُرنا من قبل، حتى يشاء الله التغيير أو تقوم الساعة.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى