محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..السودان… الغني الذي يُصر أن يظل فقيراً

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..السودان… الغني الذي يُصر أن يظل فقيراً
صدق الأديب السوداني الراحل الطيب صالح حين قال :
“السودان… الغني الفقير والخصيب المجدب”، وهي أصدق ما قيل في وصف التناقض المؤلم الذي عاشه هذا البلد عبر تاريخه الحديث.
فكيف لدولة تملك كل مقومات النهضة من أرض وماء وذهب ونفط وحيوان وموقع استراتيجي، أن تبقى مكبّلة بالفقر والتخلف والعجز؟
الجواب ليس في ضعف الإمكانات، بل في ضعف السياسات، وفي تقييد الاقتصاد وتكبيله بالقيود ، وتخلّف الإدارة عن مواكبة العصر.
إن ثروات السودان… كنوز ظاهرة وأخرى كامنة، فمن حيث الموقع الجغرافي والمناخ ،فهو في موقع متوسط استراتيجي وتنوع مناخي ومساحة تفوق 1.8 مليون كيلو متر مربع .
وحظى السودان بأطول نهر في العالم وموارد مياه جوفية وسطحية مع إمكانات هائلة لحصاد المياه.
وفي السودان أكثر من 100 مليون فدان صالحة للزراعة تمتاز بتنوع التربة وتعدد المناخات وفيه مشاريع مروية ضخمة منها مشروع الجزيرة أكبر مشروع زراعي مروي في العالم .
ويضم القطيع السوداني أكثر من 120 مليون رأس من الحيوان من الضأن والماعز والأبقار والإبل بتكلفة تربية تكاد تصل الى الصفر حيث انها تربى على المراعي الطبيعية . لكن الصادر منها يتم دون تصنيع إما حية أو مذبوحة دون تحسين تصنيعها مما يقلل عائداتها كثيرا .هذا إضافة إلى ثروة سمكية مقدرة تضمها أكثر من مليون كيلومتر من الأنهار تحوي أفضل أسماك المياه العذبة وهي انهار خالية من التلوث والمواد المسرطنة مما يجعلها الأفضل في السوق العالمي . إضافة لأكثر من 750 كيلو متر من سواحل البحر الأحمر الغنية بأسماك البحار .
ويزخر باطن أرضه بمختلف انواع المعادن وبكميات تجارية ضخمة وتشمل الذهب والكروم والحديد واليورانيوم والمايكا وأكثر من 50 نوعاً مكتشفاً من المعادن واحتياطات معتبرة من النفط والغاز ومصادر للطاقة المتجددة من شمس ورياح وماء هي من أوفر وأغني مصادر الطاقة المتجددة في العالم .
وهناك بنية تحتية قائمة وقابلة للتطوير بجهد بسيط وبتلقائية إذا اطلق الأقتصاد من قيوده .
وللسودان حظ متميز من الثروة السياحية التي تمثل مصدر الثروة الأساسية في بعض البلدان حيث يزخر بمواقع أثرية عالية القيمة وشديدة الجذب للسياحة إضافة إلى مقومات السياحة الأخرى المتمثلة في التنوع البيئي والمناطق الجميلة الخلابة والتنوع والثراء الثقافي الواسع غير المستغل والذي يمثل عنصر جذب سياحي كبير .
والسودان منطقة تجارية فيها فرص قل أن توجد في مثيلاته من دول المنطقة حيث أنه سوق داخلي كبير وله حدود مع سبع دول ويعتبر بوابة لكل وسط وغرب أفريقيا لا سيما الدول التي لا سواحل ولا موانيء لها .
وإذا أضفنا لكل ذلك موقعه الجيوسياسي الحساس من حيث تحكمه الجزئي بأمن البحر الأحمر وورقة مياه النيل وموقعه الذي يجعله بلد عبور للهجرة مما يؤهله لبناء سياسة خارجية مستقلة مؤثرة في المنطقة .
هذا فضلا عن ثروات السودان السيادية المعطّلة..
ورغم كل ذلك لماذا لا نسود؟ فما يملكه السودان ليس مجرد إمكانات تنموية، بل هو رصيد سيادي ضخم يُمكن أن يجعل السودان قوة إقليمية مؤثرة ودولة غنية مستقلة القرار.
لكننا لا نحسن استخدام ما نملك، بل نُصر على إدارة التخلف بثروات بلادنا بدلاً من تحويلها إلى محركات للنهضة.
هذه المعادلة المختلة التي يمثل جانب منها موارد هائلة جداً وجانبها الآخر فقر وسوء حال للشعب مالك هذه الثروات ، وعجز كبير في الخدمات ، حيث ان مفتاح الخروج منها لا يكون إلا بإزالة القيود التي تعطل الحركة الإقتصادية وتحرير الاقتصاد تحريرا كاملا وضبط أداء الدولة ضبطاً صارماً بالرقمنة الشاملة لكل أجهزة الدولة ومرافق الحياة للقضاء على الفساد وتسريع الإجراءات.
ويشمل هذا تحرير التجارة والاستثمار ورفع القيود عنها مع تمكين القطاع الخاص وإتاحة الفرصة له لتوسيع الإنتاج والخدمات .
السودان إن تحرر ساد
ولا يحتاج إلى شفقة ولا إلى من يُذكّره بما عنده، بل يحتاج إلى نظام يحرر ما عنده، وإدارة تفعل لا تنظّر، ورؤية تقتحم لا تتردد.
لقد أثبت الواقع أن أذكى العقول وأكفأ التكنوقراط، مهما بلغ علمهم وتجربتهم، لن يصنعوا نهضة في ظل بيئة تحكمها القيود ، وتغرق في الفوضى بدل الأداء المنضبط للدولة المحكومة بنظام رقمي دقيق .
بل قد يُفضي وجودهم داخل نظام متخلف إلى تخلف مركّب، حين يصبح ذكاؤهم وخبراتهم مسخّرة لاستدامة الفشل بدل كسره.
إن التحرير الاقتصادي الشامل وضبط أداء الدولة بنظام رقمي متطور ليسا فقط أدوات للنهضة، بل هما مصفاة تفرز الكفاءات الحقيقية، وتُظهر القادة الطبيعيين من داخل النظام نفسه، عبر آلية الأداء المفتوح لا الولاء المغلق.
فحين تُفتح الأسواق بلا قيود، وتُدار المؤسسات بأنظمة شفافة، ويُحكم الفعل لا القول، فإن السودان لا يعود غنياً فقط، بل يستعيد مكانته قائداً في محيطه، حراً في قراره، فاعلاً في العالم ….
كل ما خطر ببالك… ففي السودان ذلك. فقط إن تحرّر .
محمد عثمان الشيخ النبوي