محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية: الانفصال الواعي والتكامل الذكي

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية: الانفصال الواعي والتكامل الذكي
القرار بدمج وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية قرار لم يحالفه التوفيق ، وذلك لتباين الإختصاص رغم أن كليهما يكون الإنسان ساحة تخصصه لكن من وجه مختلف . وكان الأجدى استمرارهما وزارتين منفصلتين على أن يكون بينهما تنسيق محكم وتكامل ذكي .
كثيراً ما تلجأ الحكومات إلى دمج بعض الوزارات، توفيراً للموارد أو انسجاماً في الاختصاصات ، ولعل هذا هو مادفع حكومة السودان لدمج وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية . فالوزارتين تتعاملان مع قضايا الإنسان ورفاهيته، لكن النظرة الأعمق تكشف أن الانفصال بينهما مع تنسيق محكم هو الخيار الأجدى .
📌 وزارة العمل في أصل اختصاصها معنية بتنظيم سوق العمل، وسياسات التوظيف، والتدريب المهني، وحقوق العاملين، والعلاقة بين أصحاب العمل والعمال، وسن القوانين العمالية التي تنظم ذلك . فوزارة العمل تركّز على تنمية رأس المال البشري كقوة منتجة، عبر التدريب والتشغيل وتنظيم سوق العمل،.
📌 أما وزارة التنمية الاجتماعية، فهي تتعامل مع الفئات الأضعف في المجتمع: الأسر الفقيرة، ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن، الأطفال فاقدي الرعاية، النساء في ظروف هشّة، وغيرهم . وهي أيضًا مسؤولة عن الدعم الاجتماعي والرعاية والحماية والسياسات الوقائية . فوزارة التنمية الاجتماعية تركز على الإنسان ككائن له احتياجات اجتماعية وإنسانية وكرامة يجب صونها.
◀️ الفرق الجوهري أن وزارة العمل تُخاطب المواطن كعامل منتج، بينما وزارة التنمية الاجتماعية تخاطبه كإنسان في موضع هشاشة يحتاج إلى دعم مباشر أو حماية.
◀️ حين نتأمل التجارب الدولية، نجد أن الدول المتقدمة أو الناهضة التي نجحت في معالجة الفقر والبطالة، تبنت هذا الفصل الواعي .
في ماليزيا، على سبيل المثال، تتبع وزارة الموارد البشرية مساراً مستقلاً تماماً عن وزارة تنمية المرأة والأسرة والمجتمع، لكن التنسيق بينهما محكوم بمنظومات رقمية ذكية . وفي جنوب أفريقيا، الدولة الإفريقية التي وضعت أنظمة حماية اجتماعية رائدة، نجد وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية تعملان بشكل منفصل منذ تأسيس النظام الجديد بعد نهاية الفصل العنصري ، وكان لهذا الفصل المؤسسي دور في تمايز السياسات وتخصص البرامج وتعظيم الأثر.
الفصل هنا لا يعني القطيعة ، بل التمايز الواعي مع التكامل الذكي .
◀️ أما محاولة دمجهما فهي ستؤدي إلى طغيان منطق الإدارة على منطق الرعاية، أو العكس. فنفقد التخصص، وتتداخل المهمات، وتتبعثر الموارد، ويختلط التمكين بالدعم، وتضيع الفوارق بين من يحتاج وظيفة ومن يحتاج حماية.
◀️ وإذا عدنا إلى الواقع السوداني، فإن هذا التمايز أكثر أهمية.
💥 فالسودان يحتاج إلى :
*وزارة عمل قوية تواكب تحديات التشغيل تشرف على إصلاح تشوهات سوق العمل .
*تطلق برامج التدريب المهني وفق احتياجات السوق الفعلية .
*تحفز الاستثمارات في القطاعات كثيفة العمالة .
💥ويحتاج أيضاً في ذات الوقت إلى :
*وزارة تنمية اجتماعية تركّز على نظم الدعم الذكي المرتبط بالأداء .
*تنفّذ برامج حماية للفئات الأضعف .
*تعيد هندسة منظومة الرعاية وفق معايير حديثة قائمة على البيانات والعدالة الاجتماعية.
👈لكن كل هذا لا يمكن أن يتحقق بدون البيئة الحاضنة المناسبة . بيئة تحكمها سياسات تحرير اقتصادي شامل ، لأن أي دعم اجتماعي أو تمكين عمالي لن ينجح في ظل اقتصاد مقيد وعاجز . كما لا يمكن تصور هذا التنسيق المحكم دون أنظمة رقمية متكاملة شاملة لكل أجهزة الدولة تجعل من كل جهة حكومية عقدة متصلة ضمن شبكة خدمات موحدة ، وقاعدة بيانات قومية تربط بين العمل والحماية ، والدخل والاحتياج ، والتدريب والتشغيل والرعاية .
◀️ إن التحديات الاجتماعية والاقتصادية لا تحتمل حلولاً سطحية . فنحن لا نحتاج فقط إلى جهة تُشغّل الناس ، بل إلى منظومة تُعينهم على الاستمرار ، ولا إلى جهة توزّع الدعم فقط ، بل إلى مؤسسات تحوّل هذا الدعم إلى تمكين حقيقي .
◀️ ومن هنا، فإن الخيار الأمثل ليس في الدمج الشكلي بين وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية، بل في الفصل المؤسسي الواضح بينهما ، شريطة أن يكون ذلك ضمن بيئة تحكمها سياسات اقتصادية محررة وأنظمة
رقمية متكاملة ، تتيح التنسيق الذكي بين الجهتين . ففي مثل هذه البيئة وحدها يمكن أن يعمل الفصل على تعزيز الكفاءة ، ويُسهم التكامل في تعظيم الأثر.
والمسألة في جوهرها ليست مجرد قرار تنظيمي ، بل تتعلق بكيفية فهم دور كل جهة على حدة ، وتحديد مسؤولياتها بدقة ، وإدارتها بكفاءة ، وتصميم آليات التعاون بينها في إطار وطني موحد يخدم الإنسان السوداني أولاً وأخيراً .