محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..السر وراء انقطاع كهرباء بورتسودان ونهر النيل : سقطت الحاوية… وإن لم تسقط !!!

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..السر وراء انقطاع كهرباء بورتسودان ونهر النيل : سقطت الحاوية… وإن لم تسقط !!!
لم يكن أحد ليتخيّل أن تنقطع الكهرباء عن ولايتين استراتيجيتين – نهر النيل والبحر الأحمر – أياماً متطاولة وما زالت منقطعة حتي كتابة هذه السطور ، ليس بسبب عطل تقني طارئ أو عجز في التوليد، بل بسبب رواية متداولة شاعت بين أهل الولايتين، تفيد بأن حاوية معزّزة بالخرسانة المسلحة وُضعت فوق المحول الرئيسي المغذّي لهما معاً كإجراء احترازي ضد غارات الطيران المسيّر، فكان أن سحقته تماماً .
ومع أن هذه الرواية لم تؤكدها أية جهة رسمية، فإن الأدهى من ذلك أن أحداً لم يخرج لنفيها أو لتقديم تفسير بديل، مما جعلها الرواية الوحيدة الحاضرة، في مشهد عبثي لا يشبه سوى مشاهد الكوميديا السوداء وستظل الرواية صحيحة مادام لم يتم نفيها .
👈 هنا تتجلى رمزية هذا الحدث التي تلخّصها عبارة: سقطت الحاوية… وإن لم تسقط.
فحتى إن لم تكن الحاوية قد سقطت فعلاً فوق المحول، فإنها قد سقطت سقوطًا رمزياً مدوّياً على كرامة الناس ومشاعرهم، وعلى حقهم في المعرفة، ووعيهم بما يجري من حولهم.
لقد سقطت على ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، حين تُرك في الظلام بلا تفسير ولا بيان ولا حتى احترام لعقله، وكأن من يحكمه لا يراه جديراً بأن يُعلِمَه بما يخص أكثر ما يؤثر على حياته اليومية من كهرباء وماء ودواء.
سقطت على السيادة المعرفية للمجتمع، وعلى الحق في مساءلة من يعبث بمقدراته.
وهذا في حقيقته سقوط أفدح من أي سقوط مادي، لأنه يسحق الروح والعقل معًا.
◀️ تحت هذه الحاوية – المادية أو الرمزية – انطفأت الكهرباء، وخنقت المستشفيات، وأعطبت المصانع، وأهلكت المزارع، وغطّت المدن بسواد لا يُرى معه حتى وجه الأمل .
“الحماية” التي أُريد منها دفع الضرر، أصبحت هي ذاتها سبب الخسارة الجسيمة، والمفارقة المؤلمة.
وما أثار حفيظة المواطنين أكثر تطاول المدة التي لزمت لإصلاح المحول بصرف النظر عن أسباب العطل مما جعلهم يتساءلون ماذا سيكون الحال إذا كان العطل أكبر من ذلك وأوسع دائرة وكم من السنين سيتطلب إصلاحه !!
والأغرب هو أن توضع خدمة كهرباء الولايتين تحت رحمة محول واحد فلماذا لا توزع الحمولة على أكثر من محول وفي غير ذات المكان حتى لا يكون البيض كله في سلة واحدة حتى إذا حدث عطل فني أو إصابة لا تتعطل الخدمة كلها. بل لماذا لا تكون هناك محولات احتياطية.
◀️ التقارير المتداولة – التي لم تنفها الشركة السودانية للكهرباء حتى اللحظة – تُفيد بأن تكلفة المحول المُدمَّر تتجاوز 3 ملايين دولار، ناهيك عن باقي الخسائر في المعدات والمرفقات. أما الخسائر غير المنظورة، فهي الأفدح: 📌 تلف آلاف الأفدنة من المزروعات التي عطشت فجأة .
📌 توقف الإنتاج في الورش والمصانع الصغيرة .
📌 تراكم الإحباط اليومي لدى مواطنين لم يعودوا يطيقون الظلام ولا يثقون في وعود الإصلاح.
📌 الأشد فداحة، أن هذا الانقطاع شبه الكامل قد يكون كلّف – بحسب ترجيحات قوية – أرواحاً بريئة في غرف العناية المكثفة ومراكز غسيل الكلى، التي تعتمد على الكهرباء للبقاء. وإن ثبت هذا، فنحن أمام ما يرقى إلى جريمة مكتملة الأركان، لا مجرد خطأ فني أو إداري.
📌 ما حدث لا يتعلق فقط بالكهرباء، بل يكشف هشاشة القرار العام وغياب الحوكمة .
📌 كيف يمكن أن يُتخذ إجراء بهذا الحجم، من وضع حاوية خرسانية على محول رئيسي، دون دراسة هندسية، أو تقدير فني، أو حتى تنسيق مؤسسي؟ وإن كانت الحرب تفرض ظروفًا استثنائية، فهي لا تبرر الفوضى الارتجالية التي تُزهق أرواحاً وتعطل حياة.
◀️ لذلك، فإن ما يطلبه المواطنون اليوم ليس فقط إعادة الكهرباء، بل إعلان تحقيق عاجل وشفاف، يحدد المسؤوليات ويُحاسب من تسبب – مباشراً كان أم غير مباشر – في هذه المأساة .
ولا يهم إن كانت الجهة المتسببة مدنية أم عسكرية، اتحادية أم ولائية؛ المهم أن تتوقف هذه الكوارث الصامتة، وهذا النزيف المستمر في جسد الدولة.
👈 أما أن تمرّ هذه الفاجعة مرور الكرام، وتُعامل كخبر عابر، فذلك يعني شيئًا واحدًا: أن الأمل الذي بشّرت به الحكومة الجديدة بدأ يُقبر قبل أن يولد، بأيدي من لم يدركوا أن أعمدة الكهرباء ليست فقط لنقل التيار، بل لحمل الثقة بين الناس والدولة.
الطاقة عصب الحياة، وإذا كان الظلام الدامس هو ما يغطي الولايتين الآن، فإن الأشد قتامة منه هو صمت المسؤولين.
فالبلاد لا تحتاج فقط إلى كهرباء تُضيء البيوت، بل إلى عقول تضيء مؤسسات الحكم، وقرارات تُبنى على معرفة لا على خوف، وعلى علم لا على ارتجال، وعلى مسؤولية لا على ذعر.
فهل نجد من يقوم إلى هذه الحاوية الجاثمة على صدر الحقيقة؟ أم سنتركها شاهداً أبدياً على زمن يُطفئ النور ويزرع الإحباط؟