مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..بدعة السعر التأشيري والدولار الجمركي: ارتفاع الأسعار واشتعال السوق الموازي

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..بدعة السعر التأشيري والدولار الجمركي: ارتفاع الأسعار واشتعال السوق الموازي

 

 

اشتعل سعر الصرف في السوق الموازي فور إعلان الحكومة رفع قيمة الدولار الجمركي،
وشهد زيادات سريعة كنتيجة لذلك ويماثله في الضرر السعر التأشيري للعملة باعتبارهما أداتين إداريتين تتعارضان مع منطق السوق وتتقاطعان مع جوهر الإصلاح الحقيقي .
إن الخلل الحقيقي هو في وجود هذين السعرين أصلاً. فالدولار الجمركي والسعر التأشيري كلاهما تشوّه إداري، يفتقد المنطق الاقتصادي، ويُقوّض مبدأ الشفافية، ويُعمّق فجوة الثقة بين المواطن والدولة، ويفتح الباب للفوضى، والتلاعب، وتهريب الموارد، وتخريب بيئة الأعمال. ولا يقتصر الخلل فقط في الآثار الاقتصادية المباشرة لهذه السياسات، ولا في كونها تتجاهل تماماً تحسين الدخول أو الأجور .

ما حدث من ارتفاع في الأسعار وفوضى ضربت السوق عامة وسوق النقد الأجنبي خاصة لم يكن مفاجئاً لمن يفهم طبيعة السوق بل كان متوقعاً، ومحتوماً وتنتج عنه نتائج سالبة معروفة تتمثل في :
*الزيادة في سعر الدولار الجمركي تُترجم فوراً إلى ارتفاع في أسعار السلع، وتؤدي تلقائياً إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية . واستناداً إلى الواقع المعاش تفسّر زيادة سعر الدولار الجمركي كرسالة رسمية من الدولة مفادها: “العملة الوطنية إلى انخفاض”، فيدفع ذلك السوق الموازي إلى رفع أسعار العملات الأجنبية حتى من باب التأثير النفسي، فيلهب السوق دون مبرر حقيقي سوى اضطراب السياسات.

*السعر التأشيري الذي تعلن الدولة عنه أحياناً لجذب حصائل النقد الأجنبي من السوق الموازي، ضرره أفدح . إذ تعمد الدولة إلى رفع سعر شراء الدولار الرسمي قليلاً فوق سعر السوق الموازي، ظناً منها أنها ستغري المتعاملين بتسليم عملاتهم طواعية. لكن ما يحدث فعلياً أن السوق الموازي يسبقها بخطوة، فيرفع سعره مباشرة، ويُحوّل السعر التأشيري إلى نقطة انطلاق جديدة نحو مزيد من الانفلات. وهكذا، تُصبح محاولة الدولة عبثية، ويكسب السوق الموازي الجولة، ويضحك ملء فيه على ارتباك الدولة، بل وربما بتواطؤ بعض المستفيدين من الداخل ممن يُحركون القرار ليخدم مصالحهم على حساب الوطن والمواطن .

*تمتد الآثار إلى الحياة العامة ولا تقف عند حدود السوق فكل ارتفاع جديد يُحدث هلعاً جماعياً، وتتوقف الأسواق، ويحجم التجار عن البيع، وتتجمد الحركة الاقتصادية انتظاراً للمجهول. *ينشغل الجميع ـ من الدولة إلى رجال الأعمال والمواطنين ـ بتتبع حركة الدولار، وتتوقف دورات الإنتاج والتوزيع…”

ومن عجب أن هذا الامر تكرر كثيراً وفي كل مرة تحدث نفس النتائج السيئة ولا يتعظ متخذ القرار من سوء نتائج تحديد سعر تأشيري او رفع سعر الدولار الجمركي فيعاود الكرة مرة أخرى ويلدغ من نفس الجحر عدة مرات .
ولا يمكن لهذه السياسات المشوّهة أن تُعالج إشكالات الاقتصاد، بل إنها تعمّقها، وتُربك السوق، وتُعجز الدولة نفسها عن التخطيط والاستباق.

الحل الجذري لا يكون إلا عبر اجتثاث هذين السعرين من الجذور.
ويتطلب ذلك خطوات متزامنة برؤية واضحة تمثل عناصر لحل المشكلة ووضع الأمور في نصابها الصحيح وهي :
📌إلغاء سياسة “الدولار الجمركي” و”السعر التأشيري” تمامًا، والعودة إلى منطق السوق الحقيقي.

📌اعتماد نظام جمركي عادل قائم على نسب مئوية للسلع بحسب أولويتها وتصنيفها، يُطبَّق على سعر صرف موحد، حر، حقيقي، يتحدد بآلية العرض والطلب .
📌توحيد السوق في سوق واحدة حرة لا ازدواج فيها ولا نوافذ متعددة.
📌انشاء نظام موحد، في دولة منظمة، ومنصات رقمية شفافة، ومنافسة نزيهة .

◀️ لقد أثبتت التجارب العالمية أن التحرير الكامل للاقتصاد هو الذي يُحدث الإنتاج، لا العكس . وهو الذي يُحرّك الموارد، ويجذب الاستثمارات، ويُعيد توظيف المدخرات في الداخل والخارج . أما ما سُمي زوراً “تحريراً تدريجياً” فهو في حقيقته مجرد تغليف للفوضى، بتدخلات حكومية واحتكار من نافذين .

◀️ ومع غياب التحرير الكامل للإقتصاد والرقمنة الشاملة لإحكام أداء الدولة، لا يجد السوق مرجعية يثق بها، فيتغذى الذعر نفسه على الذعر، وتتضخم الأزمة ذاتيًا.”
◀️ في المقابل، وحدها البيئة المحررة المرقمنة تُنشئ التوازن المطلوب. ففي ظل سوق حرة رقمية شفافة، يُنتج الاقتصاد ما يحتاجه فعليًا، وتتحرك الموارد بكفاءة، وتتدفق الصادرات، وتتوفر فرص العمل، وتتسع قاعدة الدخول…”

◀️ وحتى إذا انخفضت العملة الوطنية، فلن يكون لذلك أثر سلبي، لأن الدولة تصبح قادرة على زيادة أجور موظفيها بمواردها المتنامية، والقطاع الخاص يُواكب تلقائياً بحكم الحراك الإقتصادي الذي ينتظم الاقتصاد كله، أما أصحاب الأعمال الحرة والحرفيون، فتلقائية زيادة دخولهم تُوازن الأثر دون معاناة .

◀️ إننا بحاجة إلى قفزة شجاعة، لا إلى ترقيعات محاسبية تُسمى أسعاراً تأشيرية أو جمركية . إنما نحتاج إلى تحول حقيقي نحو التحرير الكامل للإقتصاد وضبط أداء جميع أجهزة الدولة بأنظمة رقمية دقيقة ومتطورة وآنذاك فقط، ستتوقف أسعار العملات عن اللهيب مع كل قرار بيروقراطي، وسينتعش الاستثمار، ويعود إلى مساره الطبيعي السليم، ويُدار لا بالتخمين، بل بالعقل والقانون والمنطق والحرية الاقتصادية.

محمد عثمان الشيخ النبوي

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى