مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر.. بنك السودان المركزي: ترقية الدور المهني وشروط الإصلاح اللازمة

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر.. بنك السودان المركزي: ترقية الدور المهني وشروط الإصلاح اللازمة

 

 

يمر بنك السودان المركزي بمرحلة دقيقة من التدهور المؤسسي الذي أثّر سلباً على كامل المشهد الاقتصادي الوطني، رغم ما يمتلكه من تاريخ طويل وكفاءات مهنية مؤهلة. فقد أصبح البنك – الذي يمثل حجر الزاوية في النظام المالي – معطلاً عن أداء دوره الحقيقي، بسبب اختلالات عميقة في البيئة السياسية والتشريعية والتنفيذية المحيطة به، التي حالت دون تفعيل سلطاته السيادية واستقلاليته الفنية.

لقد كانت هناك أسباب مباشرة وراء هذا الضعف المزمن، يمكن تلخيص أبرزها في:
*غياب الاستقلالية المهنية للبنك بسبب التدخلات السياسية المتكررة.
*انعدام النظام المالي الموحد بين المؤسسات المصرفية العامة والخاصة.
*التذبذب بين سياسات نقدية متناقضة دون مرجعية علمية مستقرة.

*تفشي السوق السوداء للعملات بسبب تعدد الأسعار والقيود المفروضة.
*غياب الرقابة المصرفية الحازمة، وتضاؤل سلطة البنك على المصارف التجارية.
*تغوّل الاقتصاد الموازي على النظام المصرفي، وتهميش دوره.
*ضعف البيئة القانونية والمؤسسية الداعمة للبنك، وتعقيد الهيكل الإداري.

*التراجع الحاد في القدرة على إدارة النقد والتمويل والسيولة باحترافية.
◀️ إن بنك السودان المركزي، وفق كل الأعراف الاقتصادية، ليس مؤسسة عادية، بل هو قلب النظام المالي، وعقله التنفيذي في إدارة السياسات النقدية والمالية، وتنظيم السوق المصرفي، وضبط الكتلة النقدية، واستقرار سعر الصرف، وتحفيز الإنتاج، ومراقبة التوازن المالي.

◀️ لكن تفعيل دوره لا يتم عبر المطالبات النظرية، بل يتطلب إصلاحًا عملياً شاملاً، يقوم على:
📌 استعادة استقلاليته الكاملة عن السلطة التنفيذية والسياسية.
📌 إصلاح هيكلي شامل لموارده البشرية وأنظمته الرقابية وممارساته الإدارية.
📌 إطلاق منصة موحدة للبيانات المالية تربط كل المصارف ومؤسسات التمويل وشركات الصرافة.
📌 تفعيل إدارة السيولة بأدوات نقدية منضبطة تقوم على أسس السوق المفتوحة، مع التركيز على وسائل تمويل واستثمار تتوافق مع بيئة الاقتصاد الوطني وأهدافه التنموية، بعيدًا عن طباعة العملة غير المنضبطة أو التوجيه السياسي العشوائي.

📌 فرض رقابة صارمة على الانفلات المصرفي والمضاربات المخالفة.
📌 تحديث البنية التقنية بما يدعم التحوّل الرقمي الكامل في القطاع المصرفي.
📌 إنشاء نظام تمويلي وطني شفاف يوجّه الموارد للقطاعات الإنتاجية الحقيقية.
📌 إدارة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي والذهب بمهنية وشفافية تامة.

◀️ ومع ذلك، يجب أن ندرك بوضوح أن البنك لا يستطيع أداء هذه المهام الكبرى في بيئة مختلّة أصلاً، تشهد تشظياً مؤسسياً، وغياباً للرقابة الرقمية، وتضارباً في الصلاحيات، ومزاجية في التشريع، وتدخلاً سياسياً معيقاً.
◀️ إن تفعيل الدور المهني الحقيقي لبنك السودان المركزي لا يمكن أن يتم إلا بتوافر ركيزتين متكاملتين:
الأولى: التحرير الكامل الفوري لكل الأنشطة الاقتصادية، بما يشمل تحرير سعر الصرف والتجارة والتمويل والاستثمار والتسعير، مما يتيح سوقاً حراً ومنظماً تستعيد فيه الدولة دورها كمنظم لا متحكم.

الثانية: ضبط أداء الدولة، بنظم رقمية شاملة متكاملة من خلال نظم تقنية وتشريعية وإدارية متطورة، تضمن الشفافية، وتمنع الاحتكار، وتُعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتُمكّن بنك السودان من ضبط السوق بالأدوات العلمية لا بالإملاءات السياسية.

◀️ وحده الجمع بين التحرير الشامل والرقمنة الكاملة هو ما يعيد لبنك السودان المركزي مكانته كجهة سيادية مستقلة، تقود النظام المصرفي الوطني نحو التعافي، وتشارك بفعالية في مشروع النهضة الاقتصادية المنشودة.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى