محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..السم الأبيض

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..السم الأبيض
وهل غيره؟ إنه السكر الأبيض الذي ابتُلينا نحن أهل السودان بإدمان استعماله في مشاربنا ومآكلنا، وبإسراف بالغ يتجاوز حد المعقول. وإن كان القليل منه ضارّاً، فكيف بالكثير؟ ومن ذرائع ما يبرّر بها بعض الناس دوافعهم لاستخدامه قولهم إننا كثيرو العمل والحراك ونحتاج إلى طاقة تُعيننا على ذلك، أو أنه لا خيار متاح أمامنا لتزويد أجسامنا بالطاقة غيره.
ولكن الحقيقة أن هذه المبرّرات واهية وباطلة؛ إذ ليس للسكر الأبيض نفع يُعتدّ به، بل هو محض ضرر خالص.
وقد قال الطبيب الأمريكي كاس إنغرام (Cass Ingram) في كتابه
How to Eat Right and Live Longer
كيف تأكل بطريقة صحيحة وتعيش عمرا أطول :
إن ملعقة صغيرة واحدة من السكر الأبيض كفيلة بإنقاص مناعة الجسم بنسبة 50%، لما تسبّبه من خلل مباشر في أداء خلايا الدم البيضاء وتعطيل قدرتها على التهام الميكروبات.
وما يحتاجه الجسم من طاقة يمكنه استخلاصه بيسر من الأغذية الطبيعية اليومية، مثل الخبز الكامل الخالي من المحسّنات والإضافات الكيميائية، ومن النشويات الطبيعية غير المعدّلة وراثيّاً، مثل الدخن والذرة البيضاءالمعروفة في السودان.
إنني أدعو إلى الإقلاع الكامل عن استعمال السكر الأبيض لحصد جملة من المنافع، أولها:
تقليص الواردات التي تستنزف الاقتصاد القومي.
تحسين الصحة العامة وتقليل انتشار الأمراض المرتبطة بارتفاع السكر المزمن كأمراض القلب، والسكري، والسمنة، والسرطانات حيث ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الخلايا السرطانية تتغذي على السكر الأبيض هذا.
تشجيع البدائل المحلية المفيدة مثل التمر، وتحفيز إنتاجه وتجفيفه وتعبئته محليّاً.
وقد يسأل أحدهم: وكيف نشرب شاي الصباح أو الظهر أو المساء، بلبن أو بدونه؟
والجواب: بالتمر، ولو بتمرة واحدة مع كل كوب شاي.
وهذا ما التزمت به شخصيّاً منذ عقود، حتى صارت المشارب عندي أحلى مذاقاً وألذ طعماً من استعمال السم الأبيض،
ولا يغترَّ أحدٌ بما يُسوَّق تحت اسم “السكر البني”؛ فمعظمه مجرّد سكرٍ أبيض منزوعٍ منه الدبس (المولاس)، ثم أُعيد خلطه بكميةٍ قليلة من ذلك الدبس ليتلوّن باللون البني ويُوهِم المشترين بأنه طبيعي، فيظلّ محتفظاً بأضرار السكر الأبيض ذاتها بعكس السكر البني الخام غير المكرَّر الذي نادراً ما يُطرح في الأسواق.
المحليات الصناعية: ضرر يفوق ضرر السكر
وفي هذا المقام، يجدر التنبيه إلى أن بدائل السكر غير الطبيعية، مثل التي يستعملها مرضى السكري أو الراغبون في التخسيس، قد تكون أشد خطراً من السكر الأبيض نفسه.
ومن أشهر هذه البدائل:
Aspartame (الأسبرتام) Sucralose (السكرالوز)
Saccharin (الساكارين) اسيسلفامAcesulfameCyclamate (السيكلامات)
وقد ربطت دراسات عديدة بين بعضها وبين آثار سلبية على الدماغ، والأعصاب، والتوازن الهرموني، بل وزيادة خطر الأورام والخلل العصبي والسلوك الاكتئابي، خاصة عند الإفراط أو الاستعمال طويل الأمد.
حتى بعض المحليات الطبيعية التي تُباع تجارياً مثل ستيفيا (Stevia) قد تكون ضارة إذا لم تكن خاماً، لأن بعض العلامات التجارية تخلطها بمواد حاملة مثل الإريثريتول (Erythritol) أو المالتوديكسترين، وهذه الأخيرة قد ترفع نسبة السكر في الدم، أو تسبب اضطرابات في الأمعاء.
أما استعمال مسحوق أوراق نبتة الستيفيا الخام المطحونة فقط، فهو خيار ممتاز طبيعي وآمن.
تذكير للأمهات والآباء: الذائقة أو الاحساس بالذوق تُغرس منذ الصغر
تنويه هام جدّاً:
على الآباء والأمهات أن ينتبهوا لمسؤوليتهم في تربية أذواق أطفالهم منذ الصغر، وذلك بعدم تعويدهم على تناول أي نوع من السكر مطلقاً، سواء الأبيض أو غيره، لأنهم بذلك يفسدون ذائقتهم الفطرية النقية، ويدخلونهم في دائرة الإدمان الغذائي المبكر.
حتى وإن لم يُقلع الأهل عن السكر بأنفسهم، فإن عليهم أن يرحموا أبناءهم من ضرر مؤكد، وألا يجعلوا خطأهم ممتداً في ذريتهم.
وهذا لا ينقص من تغذية الأطفال شيئاً على الإطلاق، بل يرفع منها ويحميهم من أمراض العصر، ويُعزّز مناعتهم ويُبقي أذهانهم صافية.
هذه دعوة للتوبة من السكر فقد آن الأوان أن نُقْدِم على ثورة ذوق وصحة، نُحْيي بها الفطرة، ونسترجع بها النكهة الحقيقية للأشياء، ونكفّ عن تسميم أنفسنا بهذا “السم الأبيض” الذي لا يربحنا شيئًا.
وليس في الأمر مشقة أو تضحية، بل تغيير تدريجي عاقل، يبدأ من تحلية الشاي والشراب بالتمر أو العسل الطبيعي أو مسحوق الستيفيا النقي، والابتعاد عن السكر وما شابهه، وعن كل بديل مصنع أو مغشوش.
فبذلك نربح صحتنا، ونوفّر أموالنا، ونُعيد الاعتبار لمنتجنا المحلي الأصيل.
* فلنُحْييِ حاسة الذوق الطبيعي التي أفسدها السكر المصنع، ونبدأ حياة أصفى، وأطهر، وأصحّ.
محمد عثمان الشيخ النبوي