مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..وزير الثروة الحيوانية: الكفاءة في بيئة التقييد

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..وزير الثروة الحيوانية: الكفاءة في بيئة التقييد

 

 

مع إيماننا بأن الكفاءة مطلوبة، إلا أننا نعلم أنها لا تكفي وحدها حين تكون البيئة نفسها ضد الإنجاز.
ففي خضم تطلعات السودانيين إلى إصلاح فعلي ، واصل د. كامل ادريس خطاه في تكوين حكومة الأمل بإضافة خمسة وزراء أحدهم البروفيسور أحمد التجاني عبدالرحيم المنصوري وزيراً للثروة الحيوانية، ليضع شخصية ذات وزن علمي وتجريبي كبير في موقع مسؤولية مفصلية.

ورغم قناعتنا الراسخة بعدم جدوى العمل التنفيذي وسط منظومة تقيد الاقتصاد وتكبل حركته والدولة فيه تدار بطريقة عقيمة لا يحكمها نظام رقمي دقيق يضبط أداء كل أجهزتها ويرفع كفاءة أدائها ويسد الطريق امام الفساد ، إلا أن وجود شخصية مثل الدكتور أحمد التجاني يضعنا أمام لحظة أخلاقية واختبار عملي لا مجال فيه للتنظير المجرد .

فإذا كان تولي هذا المنصب أمرا لا مفر منه، فلا ريب أن إسناده لشخصية بهذه الخبرة والتجربة أفضل بما لا يُقاس من بقاء المنصب في حال من العجز أو المحاصصة أو التسيير الرتيب.
وإذا كانت الكفاءة وحدها لا تصنع فرقاً، فإن غيابها لا يصنع إلا مزيداً من الانحدار. لذلك، فإن إسناد الوزارة للدكتور أحمد التجاني هو الخيار الأمثل الممكن، لا لأنه قادر وحده على التغيير، بل لأن البدائل أسوأ بكثير.

وحين تُختبر الكفاءة في بيئة لا ترحم، لا يكون المطلوب تحقيق المعجزات، بل إبقاء شعلة الأمل متقدة، مهما كانت التحديات .
ورغم أننا نوقن أن لا جدوى في العمل التنفيذي داخل بيئة مختلة تفتقر لشرطي تحرير الإقتصاد وضبط أداء الدولة بنظام رقمي ، إلا أننا نوضع اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يعتذر الوزير عن هذا التكليف لعجز البيئة عن الإنجاز أصلاً، وإما أن يقبله على أن يبذل أقصى ما في وسعه لترويض البيئة الخانقة المقيّدة،

وتقديم اختراقات نوعية ممكنة في إطار الموارد المتاحة، مع السعي لإصلاح البيئة الكلية انطلاقا من موقعه الجزئي، فإننا – دون تردد – وبالطبع نختار الثاني، لأنه أهون الشرّين، وفيه بعض رجاء، وإن قلّ.
فالرجل ليس شخصية عابرة ولا وافداً بلا تاريخ، بل هو من أعلام الطب البيطري وروّاد إدارة الثروة الحيوانية في المنطقة . حاصل على بكالوريوس الطب البيطري من جامعة الخرطوم، ثم الماجستير من جامعة زغرب، والدكتوراه من جامعة الخرطوم.

بدأ مسيرته محاضراً وجراحاً بيطرياً، ثم أستاذاً في جامعة الجزيرة، ومديراً لمزرعة جامعية، ثم محاضراً في السعودية، ومديراً عاما لشركات زراعية كبرى. ثم أسّس شركة الروابي للألبان في الإمارات، التي أصبحت إحدى أنجح شركات الألبان في المنطقة، وتحولت إلى نموذج إداري وإنتاجي متكامل واصبحت تمثل نموذجاً للجودة والكفاءة والإدارة الحديثة، فلعله يحمل بعضاً من تلك الخبرات إلى الوزارة، رغم الفارق الهائل في بيئة العمل بين الخليج والسودان .

 

كما تولى مناصب استشارية وتنفيذية في الخليج وأوروبا، ونال جوائز مرموقة، واختير ضمن قائمة أبرز مائة شخصية في عالم الأعمال.
المأمول من الوزير الجديد ليس أن يحقق المعجزات في بيئة لا تُنتج المعجزات، بل أن يجتهد في تكييف وزارته قدر الإمكان مع مبادئ الرقمنة والانضباط المؤسسي، وأن يقدّم نماذج عملية ملموسة حتى لو كانت محدودة، لتحسين الإنتاج، ومكافحة الأمراض، وضبط الصادر،

وتطوير البنية الفنية، ورقمنة الإجراءات، وبث ثقافة الحكم الرشيد داخل وحدات الوزارة. فإذا فعل ذلك، فقد أنجز ما يمكن إنجازه في ظرف مستحيل. وإذا سعى من موقعه للضغط على البيئة العليا نحو الانفتاح والتحرير والرقمنة الشاملة، فقد يكون ذلك أعظم ما يُنتظر من رجل في مثل هذا الموقع.
فالتحدي ليس في الطبيب البيطري، ولا المدير التنفيذي، بل في النظام الإداري نفسه الذي يلتهم الطاقات ويكبل حتى أكثر الكفاءات.

فالتجربة العالمية، لا السودانية وحدها، تقول بوضوح إن أي عمل حكومي لا يقوم على تحرير اقتصادي شامل ودولة مضبوطة الأداء بنظام رقمي متكامل لأجهزتها ، يظل محاصراً بالجمود، ويُستهلك داخلياً في إدارة الاختلال بدل تجاوز العقبات.

قد يقول قائل: فكم من حلم مستحيل صار واقعاً على حين غفلة؟ ونقول: نعم، ولكن الحلم لا يصبح واقعاً إلا إذا أُسنِد إلى إرادة سياسية تسنده، وإصلاحات حقيقية تواكبه، وتمكين مؤسسي يُخرجه من خانة الأماني إلى ميدان الإمكان. فالأماني وحدها لا تكفي، والمعجزات لا تُصنع بالتمني، والرجاءات لا تُبنى عليها سياسات دولة أو استراتيجيات مؤسسات.

ومع ذلك، لا نكف عن الأمل، ولا نمنع أنفسنا من الرجاء ، فربَّ كفاءة أُعطيت موضعاً في بيئة مغلقة، فصبرت واجتهدت، فأنقذت ما يمكن إنقاذه، ورفعت الحرج، ومهّدت الطريق لمن يأتي بعدها. وعسى أن يبدأ التغيير… خطوة بعد خطوة، وشخصية تلو شخصية، ووزارة بعد وزارة.

محمد عثمان الشيخ النبوي

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى