مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..حكومة الأمل هل تنطلق معصوبة العينين ؟

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء و تدبر..حكومة الأمل هل تنطلق معصوبة العينين ؟

 

 

اثار حديثنا المنشور امس (حكومة الأمل أمل كبير وواقع مخيف) ردود افعال وتساؤلات عن تحرير الإقتصاد المطلق وبالتالي تحرير العملة وهي تساؤلات جديرة بالرد وتأكيد ما ذهبنا إليه من مقاصد .
وقد أكدنا مرارا أنه لا يمكن انطلاق الإقتصاد ونهضته ما دامت موضوعة عليه القيود التي كبلت نهضته

مستشهدين بتجربتنا العملية طيلة سني الحكم الوطني . وهي قيود قعدت به وعطلت مسيرة الإنتاج وتسببت في إحجام وهروب المستثمرين من الداخل والخارج وأفقرت بالتالي شعبنا وحملته شقاء وضنكا طيلة هذه السنين .
ورغم أننا في هذه المرحلة نشهد انعداماً كلياً للاحتياطي النقدي الأجنبي (صفر %) في ظل هذا التقييد ما زال البعض يتردد في اتخاذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه السوداني .

لكن النظر الاقتصادي الموضوعي يُثبت أن تأخير تحرير الإقتصاد وتحرير سوق النقد الأجنبي في مثل هذا الظرف لا يُنقذ الاقتصاد كما يرى البعض ، بل يزيده اختناقًا. بينما في أيدينا البديل الأمثل وهو التحرير الكامل الفوري للنقد الأجنبي حتى في حال عدم امتلاك الدولة لأي رصيد منه .

ولننظر في سمات الواقع الحالي فهو نظام يقيد سوق النقد الاجنبي بينما حصيلة الدولة من احتياطيه صفر !!
● السعر الرسمي الذي تضعه الدولة لا يُستخدم فعلياً .
● السوق الموازي مهيمن تماما على تبادلات العملة ويفرض أسعاره .

● عزوف تام من المغتربين عن التحويلات الرسمية .
● الذهب يتم تهريبه بدل تصديره داخل النظام المصرفي.
● فقدان ثقة عام في المؤسسات المالية.
● انهيار تدريجي مستمر في قيمة العملة دون سقف.
● انعدام شبه تام للاستثمار بهروب المستثمرين من الداخل والخارج إلى دول وبيئات أقتصادية أخرى يأمنون فيها على عائدات استثماراتهم دون معاناة .
وبالمقارنة المباشرة بين الوضع الحالي والنتائج الحتمية لتحرير العملة نجد أن :

1. في الوضع الحالي فإن المتحكمين في السعر في ظل نقد أجنبي محدود هم المحتكرون الذين يحددون الأسعار في بيئة مظلمة مغلقة، تزيد الندرة وتفاقم الأسعار.
عند التحرير الكامل سيفرض السوق بآلية العرض والطلب سعراً حقيقياً وفق منافسة مفتوحة تلقائية حرة مباشرة تخفف الندرة وتهدئ الصعود.

2.ثقة السوق في الوضع الحالي منعدمة بينما عند التحرير الكامل تنمو وتزداد مع وضوح السياسات.
3.تحويلات المغتربين في الوضع الحالي تتم خارج النظام النظام المصرفي
وهي عند التحرير الكامل تدخل مباشرة عبر البنوك لأنه سينتفي المبرر للجوئهم السوق الأسود بما فيه من مخاطر كثيرا ما تتسبب في ضياع أموالهم .

4.الذهب والصادرات في الوضع الحالي تُهرّب خارج النظام المصرفي لكن عند التحرير الكامل تدخل المنظومة الرسمية.
5.لا يوجد في الوضع الحالي سعر موحد للعملة
بينما عند التحرير الكامل يكون السعر موحداً وعلنياً.
6.قدرة البنك المركزي

في الوضع الحالي معدومة وعند التحرير الكامل تكون قدرته مرنة ومنظمة، تُمكّنه من أداء دوره كمُنظم للسوق لا كمسعّر قسري، وتتدفق وتعظم لديه الموارد تدرجاً.
7.التضخم في الوضع الحالي مستمر ومتصاعد ويكون عند التحرير الكامل قابلاً للانضباط عبر إليات السوق الطبيعية وتنامي الحراك الاقتصادي.

ويمكن أن نطرح سؤالاً جوهرياً لماذا التحرير الكامل أفضل حتى عندما تكون حصيلة البنك المركزي “صفراً” من العملات الصعبة؟
1.لأن السوق الحر الشفاف يبدأ في بناء الاحتياطي من الداخل.
2.لأن السعر الحقيقي يُعيد الثقة والشفافية ويجذب العملات تلقائياً.

3.لأن السوق الحر يضبط نفسه دون تدخل تسعيري.
4.لأن المغترب سيحوّل أمواله عبر النظام الرسمي في ظل تحرير التبادل النقدي فالثقة تُبنى بالحرية لا بالتقييد.
5.لأن التحرير الكامل بدون احتياطي نتائجه الحتمية أفضل من الاستمرار في نظام مشوّه بلا حرية ولا احتياطي .

نخلص من كل ذلك إلى أن أسوأ خيار الآن هو تأجيل التحرير بدعوى عدم وجود احتياطي فالتحرير هو ما يصنع الثقة والاحتياطي، لا العكس.
والسودان يملك الإمكانيات لكنه يخسرها بسبب التشوّه القائم.
المنطق والواقع يفرض التحرير الكامل لسعر الصرف فوراً دون تردد، وضمن خطة شاملة متكاملة.

لقد بيّنا بالأدلة والمنطق والمقارنة أن إعلان التحرير والتداول الحر في العملات هو الخيار الوحيد الواقعي والعلمي لإنقاذ الاقتصاد السوداني وضمان دخول الاستثمارات وإنهاء تشوهات السوق.
لكن نطرح الآن سؤالاً علمياً واضحاً: ما هي الفوائد الحقيقية – لا النظرية – التي تحققت أو يُمكن أن تتحقق من بقاء الوضع الحالي القائم على تقييد سعر صرف العملة رسمياً ومنع التداول الحر للعملات جهاراً ثم ترك هذا الوضع فعلياً ليتحكم في السوق عبر السوق الموازي؟

دعونا نختبر هذا الواقع من خلال مشهد بسيط:
هل إذا فتح أحد المواطنين السودانيين حساباً بالعملة الأجنبية في أحد البنوك الوطنية، وأودع فيه ماله، ثم أراد:
سحب ماله نقداً للسفر،
أو تحويله لابنه الذي يدرس بالخارج أو لإبنته التي تتلقى العلاج في مستشفى بالخارج فهل يثق المواطن أن البنك سيستجيب لطلبه فوراً؟
الجواب الحتمي: لا.

وهل يودع المواطنون – سواء من المغتربين أم من رجال الأعمال أو حتى عامة الناس – أموالهم بالعملة الأجنبية في هذه البنوك الوطنية أو يفتحون فيها حسابات؟
الإجابة اليقينية: لا (إلا في احوال وازمان عارضة لا تكرس قناعة او تثبت يقينا)
بل أكثر من ذلك: هل يفعل ذلك حتى المسؤولون في الدولة أنفسهم، ممن يملكون أموالًا بالنقد الأجنبي سفراء أو غيرهم؟

الجواب بلا ريب: لا.
بل أنت شخصياً أيها المعترض على تحرير الاقتصاد والعملات… هل تفعل ذلك؟
أليس الجواب الواضح: لا؟
نذهب إلى السؤال الأهم:
هل يُعقل أن يفكر مستثمر أجنبي – مجرد تفكير – في الاستثمار في السودان، في بيئة كهذه؟
تخيل أنه صدّر سلعة من السودان، ثم أراد استلام حصيلة الصادر وتحويلها إلى الخارج:

أوليس سيُقال له: “لن نعطيك إلا بالعملة المحلية، وبسعر الصرف الرسمي”؟
ثم إذا قَبِل وطلب تحويل أرباحه أو رأسماله للخارج، فهل يمكنه ذلك من خلال القنوات الرسمية؟ الجواب العملي: لا. كيف إذاً يُحوّل ماله؟ عليه أن يلجأ للسوق الأسود – وهو سوق تحرم الدولة التعامل معه ظاهرياً، وتعلم يقيناً بوجوده، وتغض الطرف عنه، بل وأحياناً تستفيد منه عبر وسطاء غير معلنين، لأنها تعلم أنها لا تستطيع إيقافه، حتى لو أعدمت المتعاملين فيه… وقد فعلت، فماذا كانت النتيجة؟ السراب.

والآن، لو أراد أحد كبار المسؤولين في الدولة – من صناع القرار أنفسهم – أن يستورد معدات، أو سيارة، أو حتى أمتعة لأسرته من الخارج، من ماله الخاص المشروع…
من أين يحصل على العملة الأجنبية؟ سيحصل عليها من السوق الأسود، دون تردد.
إذا كان هذا هو الواقع الذي يعيشه الجميع، ويُسلّم به كافة الناس، ويؤمنون بأنه لا عمران لدولة، ولا صلاح لحال شعب، ولا قيام لمشاريع، ولا زوال للعطالة، إلا بشيوع الاستثمار…

فهل من عاقل يُمكن أن يقول بإمكانية الاستثمار في بيئة مشوهة كهذه ؟
إن تحرير سعر الصرف لا يعني ترك السوق نهباً للفوضى أو الاحتكار، بل يجب أن يُصاحبه فوراً إجراءات تكفل التيسير والتنظيم بعد التحرير وتشمل :
● إطلاق منصة “مرصد السودان الاقتصادي” كمصدر رسمي يومي لأسعار الصرف (بيعاً وشراءً) بحسب مؤشرات السوق المحلية والعالمية.

● ربط هذه المنصة بتطبيق على الهاتف المحمول يعرض يومياً كل تحديثات الأسعار ويُتيح للمواطن البيع والشراء من أقرب نقطة مرخصة.
● التحويل من داخل وخارج السودان بسهولة.
● إنشاء شبكة مراسلين مصرفيين دوليين تُتيح إرسال واستلام الأموال من المغتربين مباشرة عبر النظام المصرفي.

● إلزام البنوك وشركات الصرافة بإعلان الأسعار عبر منصة المرصد، لضمان الشفافية والعدالة.
وفي ظل هذا النموذج المحرر والرقمي، فإن جهد الدولة لن يتشتت في تسعير العملات أو ملاحقة السوق الموازي بل سيتكرّس في حل الإشكالات الكلية الكبرى ومنها محاربة الاحتكار في السلع الحيوية وتأمين المخزونات الاستراتيجية وبسط الأمن الإقتصادي والجنائي وإصدار

التشريعات المواكبة وتوجيه السياسة الخارجية بما يخدم المصالح الوطنية العليا، استدراراً للمنافع، ودرءاً للمضار.
فالتحرير الكامل لا يخدم فقط رجال الأعمال أو المستثمرين إنما يعمل لصالح المواطن العادي أيضاً بل يُعيد الحياة للتاجر الصغير والمزارع والعامل ويُمكّن الأسر من تلقي التحويلات من أبنائها المغتربين مباشرةً ويمنع السوق الأسود من أكل أموالهم بغير وجه حق .
وحراك رجال الأعمال والمستثمرين نفسه يصب في صالح الفقراء بإيجاد فرص تشغيلهم وتحريكهم، فهم الأكثر انتفاعاًْ وإلا فللمستثمرين ما يسعهم من فضاءات أخرى تستقطب أموالهم.

ومن أبرز ما يحققه الجمع بين التحرير الكامل والرقمنة المتكاملة، أنه يضع حداً نهائياً لما يُعرف بالعطالة المقننة داخل أجهزة الدولة، إذ يُصبح التوظيف قائماًّ على الحاجة الفعلية والجدارة والكفاءة، لا على المجاملة أو المحاصصة أو الضغوط .
ويُمكّن هذا التوجه من تعيين العدد والكيف اللازمين فقط، مع صرف الرواتب والمخصصات المستحقة الكافية، وربما المغنية، مما يسهم في رفع الأداء، وتكريم الكفاءات، وكبح جماح الفساد الإداري والمالي من جذوره.
وأبرز الشبهات يمكن الرد عليها بإيجاز وهي :

1.”التحرير سيرفع الأسعار ويضر الفقراء”:
فالأسعار ترتفع الآن أصلًا بلا تحرير، والتحرير سيوقف التضخم ويجذب العملات، ويُحرّك عجلة الاستثمار والإنتاج.
وبدلًا من الاتكال على دعم نقدي هش، فإن التحرير يُحوّل أكثر الفقراء إلى مكتفين ذاتياً بتوفير فرص العمل الناتجة عن الحراك الاقتصادي والاستثمار، ولا يبقى في دائرة الحاجة إلا القليل من العاجزين، وهؤلاء مقدور على كفايتهم نظرًا لقلتهم، وتعاظم موارد الدولة، وتيسر دعمهم من ذويهم الذين يصبحون مكتفين.
2.”التحرير يحتاج احتياطياً من النقد الأجنبي أولاً وهذا غير صحيح، لأن التحرير هو ما يُعيد بناء الاحتياطي، وليس العكس.

3.التحرير سيطلق الفوضى في السوق وهذا إفتراض غير صحيح لأن التحرير يُرافقه ضبط رقمي ومصرفي يمنع حدوث الفوضي ولا يُترك بلا تنظيم.
وتأسيسًا على مجمل ما أشرنا إليه وبسطناه في هذا المقال، فإن المحصلة الجلية التي تثبتها الوقائع، تؤكد أن الدولة – ومن يروجون لسياسات التقييد، أو يعارضون أو يؤخرون تنفيذ التحرير الشامل والرقمنة المتكاملة كوحدة واحدة ،إنما هم عمليًا، وواقعًا، يساندون المهربين،

ويدعمون المحتكرين، ويُوطدون الفساد بكل ألوانه، ويُدمرون الاستثمار، ويُعوقون النهضة، ويكرسون للفقر أن يستشري، وللبؤس أن يلابس الناس، ويقضي على حاضرهم ومستقبل أجيالهم من بعدهم.
أن تقييد الإقتصاد وبالتالي سوق العملة أمر لا يقبله منطق وثبت يقيناً من خلال التجربة العملية في بلادنا فشله وعدم جدواه فهل هناك بعد هذا من لا زال يريد أن ينافح عن التقييد، ويهاجم التحرير الشامل المتضمن تحرير العملة والرقمنة المتكاملة معًا دون انفصال بينهما .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى