مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء وتدبر..المخدرات: تجتاح بلادنا وتهدد مستقبل شعبنا ولاية نهر النيل في عين العاصفة

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء وتدبر..المخدرات: تجتاح بلادنا وتهدد مستقبل شعبنا ولاية نهر النيل في عين العاصفة

 

 

 

مثل النار في الهشيم اشتعلت المخدرات في بلادنا وفتكت بالشباب بصورة مرعبة .. والمخيف أكثر هو ازياد انتشارها وتصاعد وتيرة التعاطي لتتسلل حتى إلى البنات وبعض الأطفال .
والفئة الأكثر إصابة هي الشباب في العشرينات واوائل الثلاثينات ومنهم قطاع واسع من طلاب وخريجي الجامعات للأسف .

ولم تعد المخدرات مجرّد ظاهرة شاذة أو سلوكاً فردياً منحرفاً، بل أصبحت وباءً عالمياً فتاكاً يهدد الكيانات والدول والمجتمعات من داخلها، ببطءٍ قاتل، وهدوءٍ مراوغ، وأثرٍ مدمّر .
ولم يقتصر التعاطي على أبناء الأسر المفككة أو المعلولة إنما شمل كل قطاعات المجتمع بما فيها أسر نظيفة محافظة .
وفي السودان، وبينما نحن نكابد أزمات الحرب والاقتصاد والهجرة والفقر، يتسلل هذا الوباء في الظل، ليضرب أهم ما نملك: عقول شبابنا، وقيم مجتمعنا، وتماسك أسرنا، ومستقبل أجيالنا.

ويزيد الخطر بادراك أن نشر المخدرات تنظمه اجهزة مخابرات قوية مستخدمة عصابات منظمة ذات خبرة وقدرات عالية وبمنهج محدد يستهدف تدمير بلادنا مما يجعل أثرها فعالاً ومدمراً .
يثير القلق الشديد أن السودان دخلته أحدث وأخطر أنواع المخدرات في العالم وهي مخدرات يحدث الإدمان فيها من الجرعة الأولى وتحدث آثاراً سريعة وخطيرة على عقل المتعاطي وعلى سلوكه وأخلاقه .

# أبعاد الظاهرة عالمياً – صناعة الجريمة المنظمة
تحولت المخدرات إلى صناعة عالمية تقدر بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، تديرها منظمات مافيا دولية، وشبكات تجارة بشر، وأجهزة استخبارات، وشركات مموهة، وأذرع إعلامية تروّج لها بتخطيط محكم. ولم تعد مجرد نباتات مخدّرة .

عدد المتعاطين عالمياً أكثر من 275 مليون شخص وأكثر من 35 مليون شخص منهم بحاجة للعلاج . ويتجاوز عدد الوفيات السنوية 600 ألف حالة، وفق تقارير الأمم المتحدة.
وقد نشطت كل الدول لمحاربة هذا الخطر وسنت القوانين الرادعة لمواجهته .

ثانياً: المخدرات في السودان – بوابة الإنهيار الأخلاقي والمجتمعي وقد كان للسودان نصيب كبير من المخدرات حيث يعاني من توسع انتشارها بشكل خطير ، لأسباب تتنوع بين:
● هشاشة الدولة وانشغالها بالأزمات.
● ضعف الرقابة الحدودية.
● الفقر والبطالة.
● الاستهداف الخارجي الممنهج للشباب.
● غياب سياسات علاجية وتوعوية فعالة.
أشهر أنواع المخدرات المنتشرة:
● البنقو: الأكثر انتشارًا وهو منتج محلي يسبب الخمول وفقدان التركيز.

● الحبوب المنشطة (الترامادول، الكبتاجون): رائجة بين الطلاب والعمال – تسبب إدمانًا سريعًا.
● الشبو (الميثامفيتامين): الأخطر – يسبب عدوانية وهلوسة.
الآيس كريستال والحرقة وهي من أخطر انواع المخدرات في العالم وأصبحت للأسف الأكثر انتشاراً وسط الشباب حيث انها سهلة التناول ويتم إدمانها من الجرعة الأولى .
● الخمر المحلي: ينتشر في البيئات الفقيرة – يسبب فقدان الوعي والعنف.

● الكيميكال والفلاكا: مواد حديثة – ذات تأثيرات عقلية مدمّرة.
ثالثًا: السودان كله مستهدف موبوء بالمخدرات إلا انه قد بات من الواضح أن ولاية نهر النيل – على هدوئها النسبي ، هي في عين العاصفة، نظراً لموقعها الرابط بين الشمال والوسط والشرق، وانفتاحها على طرق تهريب جديدة، ووجود فجوات مجتمعية تُستغل بسهولة لنشر هذه السموم. إضافة الى الأعداد الهائلة من الوافدين إليها

كملاذ آمن أولاً وكموطن لتعدين الذهب ثانياً والذي بدوره يوفر للشباب العاملين في التعدين امكانات مالية كبيرة تيسر لهم شراء المخدرات وتكون هدفاً لتجار المخدرات لامتصاص هذه الثروة .
ولاية نهر النيل – بين الوقاية والتجاهل
رغم استقرار ولاية نهر النيل نسبياً، إلا أن:
● حالات تعاطٍ رُصدت في المدارس الثانوية.
● ظهرت شبكات صغيرة لتوزيع المخدرات داخل الأحياء.
● ضُبطت كميات متجهة نحو العاصمة وغيرها.

رابعاً: أضرار المخدرات – زلزال متكامل الأثر
1. صحياً ونفسياً:
● تدمير خلايا الدماغ.
● أمراض مزمنة (الكبد، الكلى، القلب).
● اضطرابات عقلية حادة، وعنف، وانتحار.
2. اجتماعياً:
● تفكك أسر.
● طلاق وعنف أسري. هروب الأبناء.
● تصاعد معدلات الجريمة.
3. اقتصادياً:
● خسائر إنتاجية ضخمة.
● تحوّل المدمن إلى عبء وسارق.
● انتشار البطالة وتدهور العمل.
4. أمنياً:

● عصابات إجرامية منظمة.
● ارتباط بالمليشيات والإرهاب.
● تهديد مباشر لأمن الدولة.
خامساً: لمعالجة الإدمان – كأولوية وطنية وصحية
أ. في المسار الطبي:
● إنشاء مراكز متخصصة في كل ولاية.
● دمج العلاج النفسي والسلوكي.
● توفير برامج إعادة تأهيل ودمج اجتماعي.
ب. في المسار المجتمعي:

● تدريب المرشدين في المدارس والمساجد والمراكز.
● إشراك الأسر في رحلة العلاج.
● تقليل الوصمة الاجتماعية عن المتعاطين والمتعافين.
سادسًا: سبل المكافحة – من الوقاية إلى الاجتثاث
1. على مستوى الدولة:
● تعديل القوانين لتصل إلى الإعدام وفقاً لحد الحرابة.
● إنشاء هيئة عليا قومية لمكافحة المخدرات.
● تحديث أدوات الرقابة الجمركية والمخابراتية.
● تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في المكافحة.
2. على مستوى المجتمع:

● حملات توعية واسعة تشمل كل البيئات.
● دعم المبادرات الشبابية البديلة (رياضة، مهارات، تعليم).
● إنشاء خطوط ساخنة للتبليغ والاستشارة.
3. على مستوى ولاية نهر النيل:
● تفعيل لجنة مكافحة المخدرات الولائية القائمة حاليا لتكون دائمة ودعمها بأذرع توفر لها المعلومات والامكانات وتتابع تنفيذ موجهاتها .

● دمج الملف ضمن برامج المحليات.
● دعم شرطة المكافحة بالمعلومات والوسائل.
سابعاً: دور العلماء والدعاة والمصلحين
● تبصير المجتمع بخطورة المخدرات من المنابر.
● احتضان المدمن ومرافقته لا نبذه.
● دعم الأسر المتضررة وتثبيت القيم.
● بث المناعة الأخلاقية والدينية في المجتمع.
● تصميم برامج إعلامية تنشط على هداها وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وتصبح جزءا أصيلا ثابتا ودائما لديها تسهم في التوعية والارشاد والرصد .

نقطة محورية: لا يمكن تحقيق مكافحة فاعلة للمخدرات في ظل أقتصاد يجعله التقييد عاجزا وفي ظل أجهزةدولة متخلفة الأداء عقيمة التكوين
ومن الضروري أن ندرك حقيقة لا تقبل المجاملة: لا يمكن القضاء على المخدرات بشكل جذري دون فتح بابين أساسيين ، باب التحرير الاقتصادي الكامل، وباب إقامة الأنظمة الصارمة الفاعلة لإدارة الدولة بإقامة نظم الحوكمة الرقمية ورقمنة اجهزتها وأتمتها.

 

فالتحرير الاقتصادي المطلق يتيح فرص العمل والنشاط والإنتاج للجميع، ويغلق ثغرات البطالة والفقر التي يتسلل منها المروّجون، بينما تقوم الأنظمة الصارمة – التشريعية والإدارية والرقابية – بسد المنافذ أمام الجريمة، وتمنع التهاون في ردع العصابات والمحرضين والمخترقين.
بدون هذا التحرير الشامل المصحوب بقبضة نظامية حازمة، ستبقى المكافحة سطحية، وتبقى الأسباب الجذرية قائمة.

لا نملك رفاهية التأجيل
إن لم نتحرك الآن، فسنجد أنفسنا خلال سنوات أمام جيل مشوّه، وأمن منهار، وقيم ضائعة.
المخدرات ليست مسألة صحية فحسب، بل قضية أمن قومي ومصير وطني.
ولاية نهر النيل بحاجة إلى هبّة مجتمعية شاملة تعلن حالة طوارئ توعوية وتنموية شاملة.
السكوت خيانة، والتأجيل جريمة، والمواجهة ضرورة حتمية.

محمد عثمان الشيخ النبوي

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى