مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:..بهدوء وتدبر..الرصاص الاحتفالي… موت عبثي باسم الفرح

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:..بهدوء وتدبر..الرصاص الاحتفالي… موت عبثي باسم الفرح

 

 

 

رغم كثرة الضحايا والقتلى والجرحى ورغم التحذيرات المتكررة ، ما زالت تستشرى وتنتشر ظاهرة إطلاق النار في المناسبات والاحتفالات، خصوصًا في الأعراس. إنها عادة بغيضة في مظهرها، مميتة في جوهرها، ولا تمتّ للفرح ولا للرجولة ولا للشهامة بأي صلة، بل هي جريمة مكتملة الأركان، وإن غُلّفت بالبهجة المؤقتة أو ادّعاء “التراث” و”العادات”.

لقد أُزهقت بسبب هذه الظاهرة أرواح بريئة، لا ذنب لها إلا أنها حضرت فرحًا فتحوّل إلى مأتم. وسُجّل في عدد من ولايات السودان حالات وفاة مأساوية لأطفال، ونساء، وشباب، وحتى العريس نفسه في بعض القصص المؤلمة. ولكن، رغم ذلك، لا يزال كثيرون يتعاملون مع الأمر وكأنه نكتة أو مجرد زينة فولكلورية لصورة الفرح.

الحقيقة التي يجب أن تُقال دون مواربة: إطلاق النار في المناسبات جريمة لا تقل خطورة عن القتل العمد، لأنه فعل يحتمل النتيجة ذاتها، ويقوم به إنسان عاقل مختار، يعلم أن الرصاصة التي تُطلق في الهواء قد تنزل على رأس بريء. والسؤال البسيط: ما الذي يمكن أن يُبرر قتل إنسان من أجل التعبير عن الفرح؟

والمصيبة الأكبر أن هذه العادة السقيمة لا تُمارس فقط في المناطق الريفية أو المجتمعات القبلية، بل امتدت للأسف إلى المدن الكبرى، وأحياء العاصمة، وأصبحت جزءًا من “الفخامة” الزائفة في الأعراس. فبدل أن يكون الفرح مناسبة للسلام والمحبة، يُحوَّل إلى عرض للسلاح، وتفاخر بالذخائر، في مشهد يجمع بين التخلف والاستهتار والإجرام.

ومن هنا، فإننا لا ندعو فقط لإيقاف هذه الظاهرة، بل نؤكد أنها يجب أن تتوقف فورًا، بقوة القانون وقانون القوة معًا، دون أي تهاون أو تسويف. فالأمر لا يتعلق بالأمزجة أو الحريات، بل يتعلق بحق الإنسان في الحياة، وبهيبة الدولة، وبأبسط معايير النظام والسلامة العامة.
والمطلوب اليوم ليس إصدار قانون جديد، بل تفعيل القوانين القائمة بصرامة، وتطبيق إجراءات واضحة تشمل:

1. القبض الفوري على كل من يُطلق النار في المناسبات، مهما كانت مكانته أو انتماؤه.
2. مصادرة السلاح فورًا وتقديم صاحبه للمحاكمة وفق قانون الأسلحة.
3. تحميل صاحب المناسبة المسؤولية القانونية إذا سُمح أو لم يُبلغ عن مطلق النار.
4. حملات توعوية شاملة في المساجد، ووسائل الإعلام، والمدارس، والجامعات، تشرح مخاطر هذه العادة ومآسي ضحاياها.

5. تصوير المخالفين ونشر مقاطعهم على الملأ للتشهير بهم باعتبارهم مجرمين لا أبطال.
إن الرصاصة التي تُطلق في “الهواء” ليست بعيدة عن أن تصيب قلبًا نابضًا، أو رأس طفل صغير، أو ضيفاً جاء مهنئًا فعاد في كفن. وما لم نكسر هذه السلسلة السامة من “الفرح القاتل”، سنظل ندفن الأبرياء بلا ذنب، ونلطم الوجوه في الأعراس بدلًا من الأفراح.

فلنتذكر جميعًا أن الفرح الحقيقي لا يُكتب بالرصاص، ولا يُختم بالموت… بل بالحياة.

محمد عثمان الشيخ النبوي

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى