محمد احمد مبروك يكتب : نفس الخطأ القديم !!
سطور ملونة
نفس الخطأ القديم !!
عشرات المرات تلدغ الساحة السياسية السودانية من نفس الثعبان وترتكب نفس الخطأ .. وكأن الساسة في السودان يسيرون معصوبي الأعين .
عندما يتحرك الشارع او يتحرك الجيش لإحداث تغيير في السلطة فإن التغيير يأتي دون أهداف كاملة ؛ ودون رؤية للتصحيح تستوعب كل عناصر الخلل ؛ ودون برنامج شامل يستهدف تحقيق تنمية حقيقية للسودان .. إنما تقوم شعارات التغيير على نقد ممارسات السلطة السابقة وذمها وأنها أضاعت البلاد ..
وانظر في البيان الأول لعبود ونميري وهاشم العطا وسوار الذهب وعمر البشير وابن عوف والبرهان ؛ كلها ترتكز على نقد السلطة السابقة وأنها فشلت وتردى أداء الدولة وساءت معيشة الناس وفرطت في أمن الوطن وغيرها ولذلك ( قررنا الإستيلاء على السلطة ) .. وربما أردف بعضهم الإنحياز للشعب كمبرر للإستيلاء على السلطة دون أن تطرح هذه البيانات المصحوبة بالمارشات العسكرية برنامجا واضحا متكاملا لتحقيق نهضة البلاد بل ولم تلحق به بيانات من هذا القبيل ..
وانظر إلى الثورات الشعبية في أكتوبر ضد عبود وفي أبريل ضد نميري وفي ديسمبر ضد البشير .. ثورات قوية في الشكل والحراك ؛ هزيلة في المحتوى ؛ تلقائية دون قيادة ؛ تتسلقها قيادات إنتهازية وتنحرف بها لتحقيق أهدافها هي التي لا تتجاوز كراسي الوزارات وإدارة المرافق ذات المرتبات العالية والإمتيازات الرفيعة .
الثوار في أكتوبر خرجوا بشعار ( لا لحكم العسكر ) وفي أبريل خرجوا بشعار ( لن تحكمنا عصابة مايو ) وفي ديسمبر خرجوا بشعار ( تسقط بس ) و ( حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب ) .. اما ماذا يريد الثوار بعد سقوط الحكم العسكري خارج هذا الشعارات الفضفاضة فهذا ما لم يفكر فيه أحد .
قبل أن ندلل على ذلك يمكن القول أن عبود ونميري وعمر البشير أول عهدهم وجدوا تأييدا حقيقيا كاسحا من جماهير الشعب . وشاركتهم أحزاب الأغلبية السلطة ؛ ودعمت وجودهم وساندت أطروحاتهم وتوجهاتهم .
وعلى نفس الطريق المظلم سارت ثورة ديسمبر لتصل الى هدف ( تسقط بس ) . وبعد أن سقطت بس وتحددت الانتخابات كمهمة رئيسية للسلطة الأنتقالية بدأ الأنحراف الكبير ؛ حيث أن الأحزاب لم تتجه لإعداد برامجها التي ستدخل بها الإنتخابات ؛ وكيف أنها ستحكم السودان إذا فازت ؛ وماهي خططها لحل مشاكل السودان وإحداث طفرة النمو واستغلال موارده الهائلة لتحقيق الرخاء والرفاه والمنعة لشعبنا .
لكن هذه الأحزاب تدافعت بالمناكب حول هدفها الأسمى وهو إحتلال كراسي الوزارات التي تعلم أن منسوبيها لن يقربوها عن طريق الإنتخابات .
وانشغلوا بالبكاء والعويل على عهد البشير السابق بدل أن يتركوا أمر محاكمته وإلحاق العقاب الصارم بالمفسدين فيه للقضاء العادل . ويخرجوا من عويل على ماض أبيد إلى المستقبل ؛ لكنهم وجدوا فيه ضالتهم كشماعة يعلقون عليها كل فشلهم وعجزهم وإخفاقهم .
ويستمر الساسة في غفلتهم ؛ حيث أن الحراك الذي تمثل في مسيرات الشباب لم يحقق شيئا سوى إشاعة الفوضى والخراب وسفك دماء غالية . وواضح ذبول هذا الحراك واتضاح عدم جدواه ؛ وأيلولته إلى الخمود والزوال .
وأصبحت الساحة السياسية خالية الٱن ؛ وسنحت الفرصة للأغلبية الصامتة لتتحرك بشكل فعال . لكنها للأسف ومنذ البداية تحركت بشكل خاطيء ؛ حيث أنها جعلت هدف تحركها دعم القوات المسلحة وتأييد مجلس السيادة . وهم في الحقيقة ليسوا في حاجة إلى دعم وتأييد لأنه حكام تسيير لفترة انتقالية يحسب عمرها بالشهور . وكان ينبغي أن يتجه الحراك الجديد لترسيخ برنامج متكامل لمتبقي المرحلة الإنتقالية والإصرار على موعد الإنتخابات .
وبعد ذلك ينبغي أن تتجه كل هذه الكيانات لوضع استراتيجياتها وبرامجها للحكم . وتنقل الشارع من اصطراع بلا مبرر إلى حركة بناءة تستهدف إقامة الحكم الديمقراطي .
معلوم أن هذا النهج الخالي من الفهم الإستراتيجي لن يؤدي إلا إلي سلطة حزبية فاشلة – هذا إذا قامت انتخابات – وسيكون مصيرها اخفاق في حل مشاكل السودان لأنها ستجيء بلا رؤية مما يؤدي لسخط الشعب وتدخل الجيش بإنقلاب تؤيده الغالبية ثم يعودوا لرفضه والثورة عليه ليسقط بس …
وهكذا دواليك !!!
محمد أحمد مبروك