محمد احمد مبروك يكتب: مأزق المتحاورين (2) انتو العرب وين ؟؟!!

سطور ملونة
مأزق المتحاورين (2)
انتو العرب وين ؟؟!!
ألم تتعجب من أن العالم كله جري نحو السودان في محنته إلا العرب والمسلمين .. صحيح أن أغلبهم الغالب جاء ليقتطع شيئا من لحم ثور السودان عندما يتم ذبحه ، لكنهم على كل حال تدثروا بدثار حماية الشعب السوداني ، وحراسة حقه في الحرية والديمقراطية والحكم المدني ..
أفضل العرب والمسلمين سكتوا ، وتركوا السودان لدول معادية له ولهم ولدينهم ولحضارتهم ، أما ٱخرون فقد سارعوا لانتهاز فرصة انهيار الدولة لينهبوا خيراته ، ويهربوا إمكاناته ، ويضعوا أرجلهم لإقتطاع أراضيه .. ولم يأنفوا من تأجيج الصراع ، وشراء الذمم ، وإفساد الحياة السياسية التي فسدت أصلا بفعل مكونات سياسية وأحزاب عميلة .
ونسوا أن السودان رفدهم بخير بنيه إبان نهضتهم في مجالات الدراسات والبحوث والطب والهندسة المدنية والمعمار والصناعة والتعليم في كل مراحله والعمارة الماهرة . فحافظوا على الأمانة في العمل ، وكانوا مأمونين على الأموال وسلامة المجتمع بخلق نبيل ومعدن أصيل .
جامعة الدول العربية !!! نعم جامعة (الدول العربية) .. عندما تتأزم الأمور يكادون يسمون السودان أب العرب ، فيتوسط بين المتخاصمين ، ويدخل رئيسه العسكري الشرس نميري عمان موفدا من قبل القمة العربية ، بينما عاصمة الأردن كانت جحيما في قتال لا هوادة فيه بين الفلسطينيين والأردنيين . هبط نميري وسط هدير الدبابات وقصف المدفعية وقتال الشوارع العنيف ، ليبسط يديه بين المتقاتلين ، وليكون وسيطا قبله الأشقاء الغارقين في الدم .. ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا وقد صمتت المدافع ، وعلق المقاتلون البنادق على الكتوف ، وخرجت سيارات التاكسي والاسعاف بدل الدبابات ..
وعندما اخترق الإسرائيليون بوابات مصر الشرقية وأصبحت القاهرة في مرمى نيرانهم ، تحركت القوات المسلحة السودانية بأفضل مقاتليها ، وخير عتادها ، بقيادة نائب الرئيس خالد حسن عباس ، ووقفوا سدا منيعا أمام زحف إسرائيل . وخاضوا معارك كانت غرة في جبين الملاحم ، وزرعوا شهداء هناك في قبور بلا شواهد ..
وعندما عدا شيعة الفرس على العراق واخترقوا قاطع ميسان واجههم السودانيون جنبا إلى جنب مع الجيش العراقي ، وكانت لهم بطولات وشجاعة وقدرة قتالية عالية شهد لهم بها العراقيون .. وكانت الطائرات السودانية تنقل لحوم أبقار كردفان الى شعب العراق في ذروة الحرب والحصار .
وما زال رجال السودان يذودون عن حمى العرب ، ويؤازرون المسلمين فلم يتوانوا عن إيواء الفلسطينيين ومؤازرتهم ، والوقوف بقوة في كل المواقف لنصرة الشعب الفلسطيني . واستمر أداؤهم لواجبهم دفعوا فيه الدماء والأرواح الغالية ذودا عن أرض الحرمين الشريفين في مواجهة المد الشيعي ، ومحاولات خنق الأرض المقدسة بطوق من جنوبها .
هذا وغيره كثير مما حفل به التاريخ الحديث من مواقف مشرفة تؤكد صدق السودانيين في انتمائهم العربي ..
ماذا كان المقابل :
★ دول تسعى لتمليك تراب السودان للأحباش والأريتريين الجوعى للسهول وللطعام .
★ ودول تفسد الذمم وتهرب الأطنان من ذهب السودان .
★ ودول تطبع عملته تزويرا وتشتري بها محصولاته ، القمح والسمسم والكركديه والأبقار والضأن . وتزرع أرضه عيانا دون مسوغ من قانون أو أخلاق .
★ ودول تسعى لخنقه بامتلاك موانئه واحتلال شواطئه وهو في أضعف حالات تكوين دولته .
★ ودول تزرع الفتنة بين المكونات السياسية ، وتباعد الشقة بينها تنفيذا لأجندة سادتهم الأمريكان ، ولتحقيق مصالحهم التي لقصر نظرهم يرون أن الفوضى فرصة ملائمة لها .
ألا ترى أن جامعة الدول العربية قتلت عمدا لأنها كيان أنشأه زعماء عظام لتوحيد كلمة العرب ، وليجعلهم قوة مهابة مرهوبةالجانب ، حيث كان تصريحهم واحد وهو ان أي إعتداء على دولة عربية يعتبر إعتداء على بقية دول العرب . وتعلن كل الدول أن كل إمكاناتها وقوتها تحت تصرف الدولة المهددة بالعدوان . ولم يتوان الفيصل السعودي العظيم من إستخدام بتروله سلاحا خنق به الغرب كله .
الٱن أين جامعة الدول العربية من وساطة توحد بها الجهود ، وتحقن بها الدماء السودانية التي أريقت ، والتي على وشك الإراقة .
أين جامعة الدول العربية لتقول لأمريكا ودول الغرب واستخباراتها كفوا أيديكم فالسودان شأن يخصنا ، ولن نسمح بالتدخل فيه أو دفعه نحو هاوية الحرب والإنهيار .
أين جامعة الدول العربية لتوفد أربعة أو خمسة من قادتها ، يجلسون في ميدان في الخرطوم ، ويجمعون فرقاءه ، ويقسموا أنهم لن يغادروا الخرطوم إلا وقد توافق أهلها ويتكفلون بحل مشكلاته . السودان يستحق منهم ذلك ..
لكن السعودية كان لها موقف مختلف تماما .. غدا إن شاء الله نتناوله بصراحة وتفصيل .
حاشية : في أواخر سبعينات القرن الماضي زرت أم بادر الجميلة في صحراء شمال كردفان ، برفقة حاكم الإقليم بكري عديل رحمه الله . فيها رهد عظيم ، وهو بحيرة ضخمة تكونت خلف حاجز صخري طبيعي يخنق وادي الملك .
هذه دار الكواهلة أهل الإبل . وكان ناظر الكواهلة المرحوم الشيخ محمد فضل الله الإعيسر (الهرديمي) رجل قوي الملامح العربية له انف أقنى كالنسور تجلل وجهه المهابة .
سألته : لماذا لا تعلون هذا الحاجز ليزيد تخزين المياه ؟
اجابني الرجل الحكيم : لو فعلنا لقل الماء الذي يسقي الأراضي شمالنا ويملأ الٱبار ، ولعطش العرب وإبلهم ، وسيهاجروا نحونا حيث يزدحم المرعي ولا يكفينا ويكفيهم .
بعض من زعماء السودان .
محمد أحمد مبروك