مقالات

محمد احمد مبروك يكتب:..سطور ملونة..مجازر الإنتقام بعد الحرب

محمد احمد مبروك يكتب:..سطور ملونة..مجازر الإنتقام بعد الحرب

 

نحن على أعتاب مجازر بشعة بعد نهاية الحرب الوشيكة التي أصبحت قاب قوسٍ واحدٍ أو أدنى !!!
تشبعت النفوس ببغيض المشاعر جراء الفظائع التي حدثت في هذه الحرب الذميمة ، فاستشرى الغضب العارم ، والضغائن الساخنة ، والحقد والرغبة في الانتقام والتشفي ..

وبواعث الصفات والمشاعر البغيضة هذه كانت وليدة الفظائع التي عانى منها شعب السودان كله .. فقد شهد الشعب المتسامح لدرجة السذاجة والبسيط لدرجة تدنيه من البلاهة والمسالم المطيع شهدوا أعنف ما يمكن أن يشهده بشر ..

شهدوا قتل الأب أمام أبنائه وبناته ، وقتل الإبن ، واغتصاب الزوجة والبنت أمام أبيها ..
شهدوا من يطردهم من بيتهم ويلقي بهم في طريق الشتات ، ويمتلك دارهم وأثاثهم وثيابهم وذكرياتهم وحصاد أعمارهم من مالٍ وسيارات ، وحتى حلي نسائهم وأقمصة نومهن .

شهدوا فتية وصبيان المليشيا القذرة يضربون شيوخهم ، ويلهبون ظهورهم بالسياط ، ويعتقلون شبابهم بلا عودة فيحرقون حشا الإباء والآمهات .

شهدوا مذلة الشتات ، والبحث عن راكوبة للإيجار بعد أن أخرجهم المعتدون من غرفٍ وثيرة ، وحدائق نضيرة ، وبيوت ثنائية وثلاثية الطوابق . وعجزوا آخر الأمر عن سداد الإيجار للرواكيب وللغرفة الواحدة التي يقيمون ويستحمون فيها .

طردوهم ودمروا اعمالهم ، ونهبوا متاجرهم ومصانعهم وورشهم ، وأصبحوا بلا مصدر دخل لا سيما وأنهم أخرجوا بعد أن جردوا من ما يملكون وما يدخرون لسود الليالي .

آخرون عذبوا وأذلوا في الموانيء ومداخل الدول ، او استغلوا أبشع استغلال وأهينوا من سلطات الدول وشعوبها ..
الذين بقوا في دورهم ماتوا بمئات الآلاف بالمرض وانعدام الدواء وسوء التغذية ، مع انعدام الكهرباء والمياه وخدمات الاطباء والتشخيص .

ماذا ينتظر من هؤلاء تجاه من كانوا سبباً في الذي حاق بهم من الضيم والأذى والظلم المبين .. ينتظر دون شك رد فعلٍ مماثلٍ لا يكبح جماحه التذكير بالتعقل ، أو الدعوة للإلتزام بالقانون ، أو طاعة الدولة .

لا لا لا لا يكون منطقياً أن تطلب ممن حاق به مثل ما ذكرنا أن يكون هادئاً عاقلاً ، أو تخوفه بأن يد القانون ستطاله إن هو انتقم ممن قتل ولده أو اغتصبت زوجته وبنته . هنا سيضرب بك وبالقانون والقيم عرض الحائط ، ويسألك أين كنت وأين كان القانون الذي لم يحميني ويحمي عرضي ومالي ودمي ..

وسيكون كل ذلك باباً للخروج على سلطان الدولة .
ويحب أن نضع في الاعتبار وبقوة أن ثقافة استسهال القتل كانت ثمرةً مباشرةً للحرب ، حيث أن مشاهدة الأمر وتكراره تمنع تهيبه والخوف منه ، وتولد تعود العنف واتخاذه سبيلاً للتعامل .

إذن ما هو المخرج ؟
هناك سبيل واحد لتفادي مجازر حتمية تطال من كان سبباً في هذه الفظائع ، وهو أن تتولى الدولة الأمر مباشرةً ، وتقتص للمظلومين قصاصاً عاجلاً ناجزاً سريعاً يشفي غليلهم ، ولا يحوجهم لأخذ الأمر بأيديهم .

ويكون غافلاً منتهى الغفلة من ظن أن الإستعداد لذلك واتخاذ تدابيره يبدأ بعد نهاية الحرب .. لأن رد الفعل بدأ الآن ولم ينتظر حتى نهاية الحرب ، حينها سيقع فأس انتقام المظلومين على رأس الظالمين .

وسيقع المنتقمون في خطيئة الإسراف في القتل فتطال أيديهم أبرياء ويقتلون بالشك والظن أو حتي مجرد الإشتباه . عندها لن ينفع العقاب شيئاً ولن يعيد ما أزهق من أرواح .

ليس من الحكمة انتظار وقوع الجريمة لمعاقبة المجرم لكن الحكمة تكون باتخاذ التدابير الوقائية التي تحول دون وقوع الجريمة .

وفي هذا لا بد أن تنشيء الدولة اليوم وليس غداً كياناً قوياً واسع السلطات لاتخاذ تدابير حماية المجتمع لما بعد الحرب ، ومعالجة المشكلات الإجتماعية والنفسية التي ولدتها الحرب . واستنهاض المواطنين بالمشاركة بلجان قاعدية تمثل المجتمع وتكون جزءاً من المصالحة الوطنية والتصالح المجتمعي .

وأجدد التذكير بمقولة نصر بن سيار : أري تحت الرماد وميض نارٍ .. وأتمني أن لا تكون أمية نياماً .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى