محمد احمد مبروك يكتب:..سطور ملونة..أسرار المحاسبة المسكوت عنها

محمد احمد مبروك يكتب:..سطور ملونة..أسرار المحاسبة المسكوت عنها
مش قلت ليك خرجنا من الحرب صفر الأيدي . وأؤكد لك أن شعبنا بعد أن جلس في حصة الحرب الطويلة وتم جلده بأقسى ما حدث في حروب التاريخ تلفت ليقول الأستاذ قال شنو في الحصة الفاتت !!
وبهذه الطريقة لا يمكن أن نفهم درس الحرب المهلكة التي خضناها .. وعلي اليمين نحن أكثر شعوب الأرض غفلة واستهانة ، وتشتتاً في الأفكار ، وضعفاً في التركيز . وكذلك لا ينافسنا في المعمورة شعب في بطء الحركة وبطء التفكير ، وكثرة التشدق والانتفاخ الفارغ ..
تقول لي كيف تقول هذا عن شعبنا الشجاع الباسل الأبي الكريم .. انا في الحقيقة لا أشتم شعبنا إنما أصفه بصفات أملك آلاف الأدلة على إثباتها . أكثر ما يثير الغضب الان هو كثرة الصياح والصراخ بالنصر الكبير الذي تحقق ، والوقوف عند محطة التهاني والتبريكات .. وغرقنا فيها الى درجة أنستنا جوهر الأمور ، وجادة الطريق ، وجدية
التمحيص ، وتعميق الفهم للخروج بمنهاج يجنبنا عدم السقوط في هذه الهاوية ثانية ، ولننهض بعد أن أسقطتنا الحرب على وجوهنا ومرغت أنوفنا وجباهنا في الرغام !!
وأول وأكبر الأخطاء أننا (لم نقص الدرب من قعره) أي لم نتقف آثار الخطى التي أهلكتنا بالحرب :
لم نسأل كيف سمحت الدولة لكيان الدعم السريع بهذا التمدد بينما يقوده جاهل يعرف العسكرية أكثر منه أي صول في جيشنا العريق .. ويعرف السياسة أكثر منه أي طالب يرتاد أركان النقاش في جامعته .. ويعرف الإدارة أكثر منه أصغر ضباط البلدية !!!
لم نسأل هل حدث هذا سراً ؟ وهل يمكن أن يخفى ذلك على الأجهزة العملاقة القائمة على أمر المعلومات وهي ذات الكفاءة العالية التي كانت ترعب أعتى استخبارات في العالم .. وهل خفي عليها أن تكوين جيش يفوق تعداد رجاله ربع المليون جندي وبقوة ضاربة وتسليح ثقيل يشكل خطراً على أمن الوطن ، ويهدد بسحق جيش البلاد الوطني .
لم نسأل على من تقع مسئولية ذلك .. أهي أجهزة المعلومات ، أم أن السلطة السيادية بلغها ذلك وتعامت عنه إما تفريطا أو سوء تقدير أو تواطوء وتآمر .. وفي كل الحالات لابد من تحديد المسئوليات ومحاسبة المسئولين ، حتى نعي الدرس ونتجنب تكرار حدوث المصيبة .
الغريب أن عامة الناس كانوا يستشعرون هذا الخطر ، ويتحدثون عنه وينبهون له ، مما ينفي أي عذر لدى المسئولين .
أنا شخصياً كتبت مقالاً في الصحف الألكترونية وتناقلته المنصات والصحف والمواقع على أوسع نطاق قبل عام من نشوب الحرب . وتحديداً يوم 27 مارس ٢٠٢٢ م بعنوان ( ماذا نفعل إذا الخرطوم ولعت) ويمكنك إذا كتبت هذا العنوان في بحث قوقل الوصول للمقال ..
وأختصر لك جداً محتواه فهو يقول أننا على أعتاب
انقلاب وشيك وحرب ضروس توفرت كل مقوماتها . ووضحت دواعي الحرب والشواهد على توقعها ، والخطوات العملية التي تمت فيها ، والأدلة على ما يتوقع حدوثه . ودعوت السلطة المختصة أن تتدارك الأمر وتعجل بخطوة استباقية تجنبا لكارثة نشوب الحرب .
بل وحدثت الناس ماذا يفعلوا إذا نشبت الحرب ، وماهي
إجراءات السلامة المطلوبة .. كل ذلك أوردته بتفاصيل في منتهى الدقة ، وللأسف حدث ما توقعت بالضبط دون نقصان . ووقع السيناريو الذي حذرت منه دون تغيير . وأكدت حينها أن كل ذلك لا يغيب على الأجهزة المختصة .
كل هذا يسقط تماماً عذر أجهزة الدولة السياسية والأمنية والتنفيذية ، وبالتأكيد لا يقبل العذر في أن هذا لم يكن متوقعاً !!
ومن البلاهة السكوت عن نتائج هذا الإهمال الذي مكن الأوباش البغاة من استباحة أغلب السودان بيتاً بيتاً ، ولجأنا لتحميل المعتدين المسئولية عن القتل والنهب والتدمير والإغتصاب دون أن نحمل من سمح لهم بهذا مسئوليته التي لا فكاك منها ..
وماهي المحاسبة والعقاب لمن انضم للأعداء مرشداً ودليلاً لبيوت المستهدفين ، ومن في بيته مال وذهب ، أو ووا خجلتاه لمن في بيته (بنات سمحات) . أهي محاسبة رحيمة تفضي إلى سجن أو إعدام ينتظر تصاعد الأحكام ويؤجل لعدم اكتمال المنظومة العدلية .. بينما هؤلاء لا يكفي في حقهم القتل فقد أمر ربنا بالتقتيل (اِنَّمَا جَزٰۤؤُا الَّذِيْنَ يُحَارِبُوْنَ اللّٰهَ وَرَسُوْلَهٗ وَيَسْعَوْنَ فِى الْاَرْضِ فَسَادًا
اَنْ يُّقَتَّلُوْٓا اَوْ يُصَلَّبُوْٓا اَوْ تُقَطَّعَ اَيْدِيْهِمْ وَاَرْجُلُهُمْ مِّنْ خِلَافٍ اَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْاَرْضِۗ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْاٰخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ ) يقتلوا بتشديد التاء أي يقتلوا قتلاً شديداً . لأن في القصاص منهم حياة لأولي الألباب .
وما هي المحاسبة للذين خانوا الجيش من منسوبيه ، وطعنوا جيشهم في ظهره .. وأين هي المحاكم الميدانية التي تعدم بالرصاص فوراً الذي يخون الجيش في الحرب ..
بل وأين المشانق للذين خذلوا بتشديد الذال وللذين أساءوا للجيش وقياداته وللذين سودوا الصفحات بما يضعف عزيمة الشعب وجيشه وروجوا الشائعات وصوروا أوباش البغى والعدوان بالأبطال وبخسوا انتصارات الجيش جماعة (الحرب العبثية وحرب الجنرالين ولا للحرب) .
إننا إذا لم نجر هذه المحاسبة وندون في السجلات هذه الجرائم وكيف حدثت وممن حدثت فإننا نكون قد أضعنا خبرة عظيمة تفيد أمتنا الآن وتفيد أجيالنا القادمة .. ونكون قد يسرنا في المستقبل الطريق أمام ضعاف النفوس لارتكاب الخيانة وتكرارها لأنهم لم يعلموا أن الذي يخون الوطن مصيره أسود .
في الحلقة التالية إن شاء الله سأحدثك بصراحة أكثر لوضع النقاط على الحروف وستكون حروفاً ملتهبة .
حاشية :
تأمل معي أعظم لحظات الجلال التي وقع فيها واحد من أعظم وأجل وأبهى ما جرى في الكون . لحظة إذا أغرقت في تأملها ربما لا يتحمل عقلك مهابتها وجلالها .
وهي يوم كلم الله رفيع الدرجات سبحانه وجل شأنه رسوله موسى عليه السلام وهو على الأرض (اِنَّنِيْٓ اَنَا اللّٰهُ لَآ اِلٰهَ اِلَّآ اَنَا۠ فَاعْبُدْنِيْۙ وَاَقِمِ الصَّلٰوةَ لِذِكْرِيْ 🔹اِنَّ السَّاعَةَ
اٰتِيَةٌ اَكَادُ اُخْفِيْهَا لِتُجْزٰى كُلُّ نَفْسٍۢ بِمَا تَسْعٰى) يقول عز من قائل أنني أنا الله بكلام يصل النبي موسى على الأرض وتشرفت الأرض بكلام الله مباشرة .. وتزداد العظمة والجلال بتجلى الله تعالى للجبل الذي لم يتحمل تجليه فيندك الجبل دكا ويخر موسى صعقا . ويحب ذلك الوعيد بقيام الساعة والإنذار بأن كل نفس ستجزى بما تسعى .
حدث هذا على الأرض ذات يوم فما أعظم ما حدث وما أجل ما شهدت الأرض .
محمد أحمد مبروك