محمد احمد مبروك يكتب: اسرار وراء حركة السفير السعودي
سطور ملونة
اسرار وراء حركة السفير السعودي
أثارت الحركة الكثيفة للسفير السعودي في السودان الكثير من التساؤلات ، وتباينت الٱراء حولها . فمنهم من صنفها صنوا لسفارات دول الاستكبار العالمي التي أصبحت تتدخل في أخص شؤون السودان الداخلية متجاوزة القواعد والأعراف التي تحكم العمل الدبلوماسي .. ومنهم من نظر اليها على أنها حركة منضبطة تتم بعلم الدولة وموافقتها ، وتقتصر على المسموح به في أعراف الدبلوماسية النظيفة .
وفي الحقيقة فإن ثلاثة أسباب جوهرية هي التي تمثل البواعث لحركة السفارة السعودية التي يقودها السفير على بن حسن جعفر .
وقد لا يكون موضوعيا الحديث عن حركة هذا السفير بمعزل عن خصوصية العلاقة بين السودان والسعودية عبر تاريخها الطويل ، الذي أنشأ قواعد خاصة في التعامل بين البلدين .
ولن نعود إلى الوراء كثيرا ، او ما كان يفعله علي دينار بحفر الٱبار لسقيا الحجيج او كسوة الكعبة مطالع القرن الماضى ، ولا عندما زرع نميري نصف مليون شجرة نيم في صعيد عرفات ، وأصبحت ظلا ظليلا لحجاج بيت الله الحرام . لكننا نقف عندما استعرت الحرب المباشرة بين السعودية على عهد الملك فيصل وبين مصر عبد الناصر ، وتطورت تطورا خطيرا على ساحات اليمن ، وانذرت بتحول للمواجهة المباشرة بين الدولتين .. هنا تدخل السودان بقوة ، وتحرك ساسته ودبلوماسيوه حركة كثيفة بين البلدين ، أثمرت أن يهبط الزعيمان أرض الخرطوم ، ويتعانقا في رحابها ، وتقف الحرب الضروس ، وتحقن دماء العرب وفق ترتيبات لمصالحة محكمة قادها اسماعيل الأزهري ومحمد أحمد محجوب .
هذا لم يحسب في خانة التدخل في شان الدولتين وقبلته الدولتان بترحاب لخصوصية علاقة السودان بهما .
ويعلم الجميع ان السودانيين لا يعاملون في السعودية كسائر شعوب الأرض ، ولا تطبق عليهم القواعد كما تطبق على الٱخرين بما في ذلك الشعوب العربية الأخرى . وذلك أيضا من خصوصية هذه العلاقة .
وكما كان السودان سندا للسعودية شعبا وحكومة ، وظهرا قويا في سراء البناء والاعمار والنهضة ، وضراء النازلات والصراع ، بل والحرب والدفاع عن السعودية . كانت المملكة السعودية عونا وسندا للسودان ، ومهجرا ٱمنا للسودانيين ، وعونا إقتصاديا مقدرا في ظروف صعبة ، عبر الدولة السعودية مباشرة ، وعبر منظماتها الخيرية والإنسانية الكثيرة التي أسهمت إسهامات لا تخطؤها العين .
وأول العوامل التي تجعل حركة السفير السعودي ظاهرة هو كثافة حركة الدولة السعودية ، والمنظمات الخيرية والانسانية . فهو حينا يدشن عدة اعمال ومساعدات قدمها مركز الملك سلمان للإغاثة ، أو يفتتح وحدة علاجية ، أو خدمية ، او اجتماعية ، أو تعليمية ، أو نشاطا ثقافيا ، أو يشارك في نشاط إجتماعي بتقديم واجب العزاء او التهنئة بزواج . وكل هذا يستدعى حركة السفير . ولو توافرت نفس الظروف للسودان في السعودية لتحرك سفير السودان حركة مماثلة .
العامل الثاني هو ان السودان يمثل عنصرا مهما في الأمن القومي السعودي ، ويعني استقراره أمانا لظهر المملكة ، ويعني انفراطه لا سمح الله كارثة أمنية لها . وهو بوابة أفريقيا ، والمدخل إلى عمقها . لذلك لا بد أن تحرص السعودية على استقرار هذا البلد .
وقد لا يعلم كثيرون أن السعودية تلقت درسا قاسيا بتغاضيها عماجري في الصومال على عهد محمد سياد بري ، ولم تقم بما يجب عليها القيام به من جمع شمل الفرقاء الصوماليين ، والتوسط بينهم ، فدفعت ثمنا غاليا ، وصرفت جهودا ضخمة عندما انفرط الامر هناك ، حيث أصبح الصومال أكبر مشكلة للسعودية .
وتحول الصومال إلى معبر للسلاح والمخدرات والعصابات ، وعن طريقه يتسلل المخربون والمناوؤن . وهي قطعا لا تريد تكرار التجربة في السودان . لذلك نشطت الدولة السعودية وسيطا يسعى للم الشمل ، وتجنيب السودان النزاع والإحتراب الذي لا تحمد عقباه للدولتين .
ويحمد للسفارة السعودية أنها لم تشارك في العمل السياسي ولم تتبن تيارات سياسية ولم تقم بأدوار تحريضية كما فعلت سفارات بريطانيا وأمريكا وسفارات أوروبية أخرى بل وعربية .
حاشية :
الشاعر المجيد حسن عبد الله القرشي عطر سماء الخرطوم طيلة السنوات ١٩٨١ و١٩٨٤ م حيث كان سفيرا للسعودية في السودان . ورغم تعقيدات المرحلة التي شهدت أضخم تحول سياسي شهده السودان بتحول نميري طيب الله ثراه إلى الإسلام الذي توجه بتطبيق أحكام الشريعة وإسلامية الدولة . إلا أنه لا يذكر لهذا السفير عليه الرحمة نشاطا سياسيا بقدر ما تذكر مساهماته الادبية وشعره المرهف الرصين الذي عطر ليالي الخرطوم الأدبية ومنابرها الثقافية الغزيرة . له حوالى ستة عشر مؤلفا منشورا ما بين دواوين شعر واعمال مسرحية وأدبية وادب المذكرات .
أين الشاعر والأديب الكاتب أبو عبد الرحمن محمد مجممي الذي ومض في سفارة السعودية في الخرطوم ومنها إلى سفارتهم في أستراليا وقصيدته الرائعة في يوم اللغة العربية . ضاع منا أثره وليته يظهر مجددا
محمد أحمد مبروك