مقالات

محمد احمد مبروك يكتب: أسرار في مستشفى الخرطوم الكبير !!

سطور ملونة

أسرار في مستشفى الخرطوم الكبير !!

صمد مستشفى الخرطوم أمام هجمة شرسة إستهدفته حاميا كومة من الأسرار التاريخية والعلمية والطبية والوحدات بالغة الخطورة ..
ليس السر الوحيد في مستشفى الخرطوم الكبير انه أنشيء في موقع مقابر الخرطوم القديمة .
الامام المهدي بعد تحرير الخرطوم ومقتل غردون كان في عاصمته الجديدة أم درمان ، وعبر إلى الخرطوم مرة واحدة لزيارة قبر أمه في مقابر الخرطوم القديمة موقع مستشفى الخرطوم التعليمي الكبير . وقرأ سورة إبراهيم حتى وصل الٱية الكريمة (وَسَكَنتُمْ فِى مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلْأَمْثَالَ) صدق الله العظيم . وتوقف عند هذه الٱية مشيرا إلى أنه لن يسكن في الخرطوم ، وعبر عائدا إلى أم درمان ولم ير الخرطوم حتي توفي .
وقد أنشأت الحكومة الإنجليزية المستشفى القديم العام ١٩٠٤ م من الحجر الرملى بطرازه الهندسى الجميل ، من طابقين بدون أعمدة ، وما زال محتفظا برونقه وبهائه . وتوالى التطوير للمستشفى في المباني والتخصصات على عهد الحكومات الوطنية .
لكن شهد النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي نقلة نوعية قفزت بالمستشفى لتضعه في تصنيف واحد من أفضل مستشفيات العالم وفاق كل مستشفيات العالم الثالث !!
لكن ماذا جرى لينهار هذا التطور الكبير حتي وصل المستشفى مرحلة إنفض فيها سامره العظيم .. هذه للأسف وقائع معاصرة يعلمها أغلب الناس .
لكنني سأروي لك أسرار النقلة التي صعدت بالمستشفى إلى الثريا حيث كنت شاهد عيان عليها ووثقت جانبا منها منشور في الصحافة المحفوظة الٱن في دار الوثائق القومية .
الرئيس نميري كان صديقا للدكتور أحمد عبد العزيز يعقوب عليهما الرحمة والرضوان ويكن له إحتراما خاصا وهذه العلاقة كانت عنصرا مهما في إطلاق يد الرجل ليحقق هذه النهضة الهائلة قبل أن يستدعيه نميري معتمدا للشؤون الصحية لولاية الخرطوم ثم مديرا للسلاح الطبي برتبة الفريق .
وكان د. أحمد عبد العزيز أستاذا للجراحة في كلية الطب جامعة الخرطوم وكبير الجراحين في وزارة الصحة فتم تعيينه مديرا لمستشفى الخرطوم . ولعلك تدهش حين تعلم أنه حاصل على دكتوراة في القانون . لكن دعنا نتأمل سيرة تصل بنا حد الدهشة لرجل كبير في ذاته قبل أن نقول أعماله التي أنجزها ، وهي أعمال لا تصدق في وقتنا الراهن :
ولد في قرية قبة سليم إحدى قرى السكوت بالشمالية عام 1931م ، و تدرج في تعليمه من الابتدائي في مدرسة الخرطوم غرب الابتدائية ، و منها الى الخرطوم الوسطى ، و من ثم الى وادي سيدنا الثانوية. ثم التحق بجامعة الخرطوم كلية الطب في العام 1950م و تخرج فيها بامتياز في الجراحة العامة في عام 1956 م ، و اثناء فترة الجامعة نال جائزة جامعة الخرطوم و جائزة جاكسون في علوم الأمراض ، و جائزة ارشيولد في الصحة العامة ، و جائزة وترفيلد في الطب الاجتماعي .
بعد التخرج انتقل الى ايرلندا و نال زمالة كلية الجراحين الملكية بأدنبرة عام 1961م ، ونال أيضاً نفس الزمالة من جامعة لندن في العام نفسه ، و في العام 1964م نال عضوية كلية الأطباء الملكية بأدنبرة . بعد ذلك عاد الى السودان رئيساً لقسم جراحة القلب و الصدر و كبير الجراحين بوزارة الصحة ، و في العام 1972م نال زمالة كلية الأطباء الملكية بأدنبرة ، ثم نال دكتوراه جراحة القلب من جامعة الخرطوم في 1973م ، وعين مديراً لمستشفى الخرطوم التعليمي 76م . كما انه اول من أجري عملية قلب مفتوح في الشرق اﻻوسط في مستشفي الخرطوم 1975 م . كما عين قائداً للسلاح الطبي برتبة الفريق 1984م .
و في عام 1989م اصبح أستاذ الجراحة المؤسس بجامعة امدرمان الاسلامية ، و أستاذ الامتياز بالجامعة في العام 2002م. بالإضافة الى إنجازاته في مجال الطب ، فقد كان للبروفيسور ميولا نحو القانون.. فنال بكالريوس القانون من جامعة النيلين ، و الدبلوم العالي من جامعة القرءان الكريم ، و الماجستير من جامعة الخرطوم ، ودكتوراه القانون من جامعة لندن.
بهذه المواصفات لم يعين مديرا لهيئة الصحة العالمية إنما عين فقط مديرا لمستشفى الخرطوم التعليمي . وهكذا حين يكون الرجل كبيرا يصبح المنصب كبيرا ويكبر الموقع . وهذا ما جرى في مستشفى الخرطوم . وسأقول لك فقط ما كنت شاهدا عليه .
كنت صحفيا في جريدة الصحافة عندما أصبح د. أحمد عبد العزيز مديرا لمستشفى الخرطوم التعليمي فذهبت إليه برفقة زميلي كرار أحمد عبد الخالق المصور البارع وأجريت معه حوارا طويلا غطى صفحتين من الجريدة . لم يحوجنا د. أحمد لكثير من الأسئلة التي تقود إلى عناصر الخلل والضعف في المستشفى فقد قادنا هو وتحرك معنا ليبين لنا كل المشكلات وضعف البنيات التحتية في إنهيار شبكة الصرف الصحي وتردي خدمات النظافة وسوء صيانة المباني . وشرح لنا الضعف في الأجهزة والمعدات الطبية وقدمها وتهالكها .
أخرسني شرحه عن مزيد من السؤال .
عجبا لهذا المدير الذي يكشف كل عناصر ضعف وحدته !!
سألته سؤالا واحدا :
طيب عاوزين تعملوا شنو عشان تحلوا المشاكل دي كلها ؟
ابتسم عليه الرحمة والرضوان وتحرك الرجل طويل القامة بالغ الأناقة والجمال .. وقادنا إلى مكتبه وجلسنا حيث وضعنا أمامه جهاز التسجيل وسلط عليه زميلى كرار فلاش كاميرا الروليفليكس الدقيقة الضخمة .
يقولون الٱن أن الناس أصبحوا ملولين لا يقرأون لذلك انتظر معنا حتى الغد إن شاء الله لننقل إليك الحلول المدهشة التي طرحها الرجل الكبير علها تفيد الذين عجزوا بعد خمسة وأربعين عاما من الإتيان بمثلها .
حتى ذلك الحين إن كنا قد عجزنا عن حفظ سيرته بإطلاق إسمه فقط على شارع أو مستشفى فلنترحم عليه .
نسأل الله له واسع الرحمة والرضوان وأن يجزيه أحسن الجزاء ويملأ قبره نورا ويدخله أعلى الجنان مع الشهداء والصديقين .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى