مقالات

محمد احمد مبروك يكتب:من وراء جريمة الشرطي الذي دهس المتظاهرين ؟

سطور ملونة

من وراء جريمة الشرطي الذي دهس المتظاهرين ؟

جريمة دهس شرطي لمتظاهرين وقتل أحدهم هزت ضمير الأمة السودانية كلها ، واستقبلها الناس بغضب عارم . وكانت هذه الجريمة البشعة كارثة في حق أسرة فقدت إبنها .. وكارثة في حق الشرطة السودانية بكل ماضيها العريق وحاضرها الزاهر بالأمجاد والبطولات .. وكارثة في حق الدولة السودانية وسمعتها في العالم كله ..
دعنا نبدأ أولا في رسم السيناريوهات المحتملةكلها للأسباب والدوافع الكامنة وراء الجريمة وهي :
★ أن تكون هناك (جهة) خططت لهذا الأمر بدقة ، بحيث يقوم الشرطي بدون دواع منطقية بالهجوم بالسيارة على المتظاهرين ، ليس بقصد التخويف الذي يتوقف عند حد فرارهم ، إنما يتجاوزه ليصبح فعلا مقصودا منه القتل . وفي نفس اللحظة تكون كاميرات قناة فضائية مسلطة على الحادثة بدقة وإتقان . وهي قناة موتورة من الشرطة ، ولها معها سابق ضغائن وثأرات . فتكون بهذه الكيفية مؤامرة ، وجريمة مخطط لها بدقة . وتصبح جريمة قتل عمد كاملة الأركان ، لا سيما وان القاتل إستخدم أداة (سيارة الشرطة) بطريقة تؤدي إلى القتل لا محالة . وهنا يجب أن يقدم هو كمرتكب أساسي للجريمة ، ومن معه لأنهم رجال شرطة أوجب واجباتهم منع حدوث الجريمة من أي فاعل كان . وكذلك قيادته الميدانية المسئولة عن توجيه التحركات والتصرفات المطلوبة والمسموح بها في الميدان فهم يجب يقدموا لمحاكمة ناجزة .
★ الإحتمال الثاني أن يكون هناك خطأ أساسي في إختيار الفاعل في سلك الشرطة . وأنه لم يتم التأكد من سلامة قدرته على التصرف المتزن . وهذا يتم فحصه من خلال البحث والمعاينات التي تجري قبل الموافقة على تعيين الشخص في سلك الشرطة . وتتم بوساطة قادة كبار في الشرطة ، ولجان معاينة ذات كفاءة عالية وخبرة ، ووفق قواعد تؤدي للوصول إلى أرجح الإحتمالات في سلامة إختيار الشرطي . وهنا تجب محاسبة المسئولين عن تعيينه أساسا وفق المضابط الرسمية في سجلات الشرطة .
★ الإحتمال الثالث أن يكون هناك خلل في تدريبه وتربيته الشرطية ، وعدم إلمامه بدقة بقوانين وضوابط العمل ، وكيفية التصرف الصحيح إزاء المواقف المختلفة ، ومتى يقتل الشرطي ، ومتى يعطل ، ومتى يلقي القبض ، وكيفية كل ذلك . وماهو الفعل الذي يتطلب صدور أمر مباشر من القيادة الميدانية . وفي هذا الإحتمال يجب أن تراجع الشرطة قواعد التدريب وتفاصيلها ، وأسس التربية الشرطية ، وتعزيز المفاهيم في القيم والأخلاق الصحيحة للعمل الشرطي ، ورفع كفاءة الألمام بالقوانين ، وتطوير قدرات القيادات الوسيطة التي غالبا ما تتولى قيادة العمل الميداني .
★ الأحتمال الرابع أن يكون الأمر نزوة طيش وتهور من هذا الشرطي وأنه أمر غير متوقع وليس هناك ما يشير إليه في تصرفات سابقة لهذا الشرطي أو لغيره . وفي هذه الحالة يجب أن يكون ذلك واضحا في حيثيات الإتهام التي تقدم ، ليتحمل الجاني ومن معه والمسئولين الميدانيين عنه مسئولياتهم أمام عدالة القضاء .
★ المؤسف جدا أن الكارثة وقعت والشرطة مستهدفة أساسا من أعداء الوطن ، وهم يسعون سعيا محموما لتشويه صورتها ، وإلباسها ثوب الإستبداد والدموية . وكذلك التقليل من شأنها ، ووصمها بالجبن والخور (كنداكة جات بوليس جرى) .
★ حدثت الكارثة لتمسح الماضي المجيد الذي صنعه رجال اكفاء أوفياء للوطن ، حرسوا امان الناس ، وحموا أرواحهم وأعراضهم وأموالهم . وبذلوا في سبيل ذلك جهدهم المضني ، ودماءهم وأرواحهم ، وسهروا ورابطوا في صبر وإخلاص .
★ حدثت الكارثة والشرطة السودانية تحقق المعجزات كل يوم بل كل ساعة ، وهي تقاتل عصابات التهريب والمخدرات والنهب المسلح . وتضبط مزوري العملة ومخربي الإقتصاد والعابثين بمعيشة الناس . وتصل إلى القتلة والمجرمين بسرعة وبراعة تعجز عنها أجهزة الشرطة في دول متقدمة .
★ حدثت الكارثة لتشوه سجلا ضخما للشرطة معمورا بالرحمة والخلق النبيل ، والصبر والتسامح مع المتفلتين والمتعدين على الشرطة لفظا وفعلا . وكذلك المواقف الوطنية الكريمة للشرطة في ظروف السياسة المعقدة .
★ حدثت الكارثة وأعداء الوطن يتربصون به لتحقيق أجندات خبيثة ترمي لتفكيكه ، وإيجاد الذرائع للتدخل في شؤونه بدعاوي الإنسانية .
★ إننا الٱن في حاجة إلى درجة عالية من الحكمة لمعالجة هذا الأمر الكبير . ويجب أن لا ينظر إليه على أنه (حادثة). ولكل دور في هذه المعالجة :
★ الشرطة يجب أن توالى شعبها ببيانات حول الحادثة وتفاصيلها وحول مرتكبيها . ويجب أن تشرح للناس القوانين التي تحكم عملها وقواعدها الإدارية والأخلاقية . ونماذج لسابق ممارساتها التي تؤكد إلتزام شرطة السودان عبر تاريخها المجيد بالخلق السوداني الكريم والإنضباط العالي .
★ الامر الثاني المتعلق بالشرطة أن توالي المواطنين ببيانات عن التحقيقات التي تجريها وما توصلت إليه والخطوات القانونية التي أتخذتها مع شرح واف لها . مع تبيان حدود المسئولية لفرد الشرطة والقيادة الميدانية وقيادة الشرطة في درجاتها المختلفة .
★ المواطنون يجب أن لا ينساقوا وراء ترويج المغرضين الذين انتهزوا الواقعة لإيقاع الفتنة بينهم وبين شرطة وطنهم وزعزعزعة الثقة فيها . وفي هذا خطر عظيم ، لأن المواطن إذا فقد الثقة في الشرطة يفقد الإحساس بالأمان . ويجب أن يكون حاضرا في الأذهان أنه لولا وجود جهاز شرطة السودان اليقظ هذا لأنفجرت الجريمة وقضت على الأخضر واليابس ..
وان على المواطن نفسه دور عظيم في مساندة الشرطة ودعمها بكل السبل .
ولعلنا جميعا نتذكر أن جهاز الشرطة السودانية وقف سدا منيعا أمام إنفلات الأمن الذي نجم عن تفاقم الأزمة السياسية وما حاق بجهاز الدولة من تخريب وتدمير متعمد . وكل ذلك في ظل شروط خدمة في منتهى السوء ، تحملها رجال الشرطة وأسرهم ، ودفعوا ثمنها شظفا في العيش ، وضيقا في الحياة ، حتي أصبحت الإستقالة والإقالة أغلى ما تتمناه أسرهم .
إننا يجب أن نشكر لرجال شرطتنا جهدهم العظيم . ونقول لهم إننا لا نحكم عليكم بهذا التصرف الملعون البغيض . وسنظل نتذكر رباطكم وعرقكم ودماءكم وانتم تواجهون جريمة تفاقمت وتطورت بدون إمكانات ، وتقاتلون العصابات وتواجهون عتاة المجرمين ، وتحرسون المرافق العامة ، وتذودون عن البيوت والأعراض والأموال .
هذا الموضوع يا أخي قضية وطنية مهمة يجب أن نتعامل معها ونتجاوزها بحزم … وحكمة … ومسئولية … ووعي وطني .

محمد أحمد مبروك

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى