محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية ١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ الحلقة الثانية مدراء الموانئ ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم الحزء الخامس

محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية
١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ الحلقة الثانية مدراء الموانئ ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم الحزء الخامس
جلال الدين محمد أحمد شلية ھو المدير العام السابع لهيئة الموانئ البحرية… الرقم سبعة من بين جميع الأرقام لھ وضع مميز فى شعائر ديننا الحنيف… و كذلك جلال من بين جميع مدراء الموانئ لھ وقع مميز فى نفسى ( اللوامة ) … جلال ھو المدير السابع و السابق بالخيرات .
* بالرغم من موقفى الداعم و المساند لمدير الموانئ ابراهيم الأمين فى خلافه مع النقابة. الا إننى عندما وجدت أن الأمر قد وصل إلى طريق مسدود . و بلغ مرحلة اللاعودة . لم اتردد فى الكتابة مطالبا بابعادھ … ھذا ھو الخلاف الكبير الثانى الذى تشھدھ الھيئة… الأول حدث فى عھد المدير على عبدالرحيم . و حسم بابعادھ رغم سلامة موقفه و تعيين الرجل الثانى خلفا لھ . حفاظا على استقرار المرفق … و بما ان ھذا الخلاف بات يھدد الاستقرار . فلا سبيل الا إبعاد المدير و تعيين الرجل الثانى خلفا لھ … مع ان خيارى المفضل ھو ان يكون
المدير الجديد شابا .فرشحت جلال شلية … لم أخفى رغبتى فى ان تتولى إدارة الهيئة ھذھ المرة إمرأة و رشحت المھندسة محاسن عبدالله… لم يمضى وقت طويل حتى استقال ابراهيم الأمين و جاء جلال شلية مديرا لهيئة الموانى .( لم أبحث كثيرا حتى وجدت مسودات ھذھ المقالات بين اوراقى القديمة ) .
* تعيين جلال شلية فى منصب مدير الموانى قوبل بارتياح كبير و ترحيب شديد … إرتياح و ترحيب مصحوب بآمال عريضة و تفاؤل واسع و عميق . من اھل الموانئ عاملين و متعاملين … كان ھذا امرا طبيعيا … لانھم يعرفون جلال معرفة تامة … لا يعرفون عنھ الا الخير و لا شىء غير الخير … يعرفون ادبھ الجم . و خلقھ الرفيع . و تھذيبھ الزائد و رقته و لطفھ … جلال و ھو شاب كان يكسوھ وقار الشيوخ … راسھ يشتعل شيبا … جلال كان فى محياھ جلال العلم و العلماء … ھذا قبل ان ينال درجة الدكتوراة بجدھ و اجتھادھ و ھو مدير للهيئة. و يستحقھا بجدارة فخريا من جامعة البحر الأحمر اعترافا بدوره كمدير للموانئ فى خدمة الجامعة و المجتمع من حولھا .
* جلال شلية ھو الشخص الوحيد الذى بدأ من أدنى السلم الوظيفى بهيئة الموانى و تدرج الى ان صار مديرا للهيئة… محمد صالح على لم يبدأ من أدنى السلم… جلال بدأ عملھ بالموانى كاتبا … تدرجھ كان على مراحل ثلاث … الأولى كانت بالشهادة السودانية . ليترك العمل و يذهب للدراسة الجامعية بالخارج . ليعود مرة اخرى و يعمل بإدارة التخطيط و البحوث. وھى بمثابة القلب فى العملية الإدارية. و يتدرج في وظائفها إلى أن اصبح مديرا لھا … و بحكم الفترة الطويلة التى أمضاها بھذھ الإدارة صار اسمھ الأكثر ارتباطا بالتخطيط و البحوث بالموانى… و كأن اقدار الله ارادت لجلال الصقل الجيد ليتولى منصب مدير الموانئ. فقد تم اختيارھ معتمدا لمحلية حلايب ليكتسب قدرات و مهارات قيادية و سياسية تعينه في إدارة الهيئة .
* أول ما ادركھ جلال وھو يعود لهيئة الموانى . و أول ما عزم عليه و ھو يجلس على كرسى المدير . ھو ان تظل مشاعل الفرحة بتعيينه مشتعلة . و روح التفاؤل بمقدمه متقدة … اداتھ الأساسية لتحقيق ھذا الھدف ھى العلاقات العامة… زميلنا محرم عوض السيد ( عليھ رحمة الله ) لھ تجربة طويلة فى العمل باعلام الموانى . حصل على الماجيستير فى التخطيط الإعلامى من جامعة الخرطوم . و عمل استاذا للاعلام بعدد من الجامعات. قال فى حديث له لمجلة اكراوا (( جلال شلية ھو أكثر مدراء الموانئ اهتماما بالعلاقات العامة … اھتمامھ كان بفھم عميق و رؤبة ثاقبة …ذروة سنام اھتمام جلال بالعلاقات العامة تمثلت في الجھد الكبير
الذى بذل من أجل إعادة كاتب ھذھ السطور للعمل بالعلاقات العامة بالموانى … ھذا بالإضافة إلى تعيين عشرة من حملة الشھادات الجامعية في الاعلام دفعة واحدھ للعمل بالعلاقات العامة بالموانى)) .
* شھدت ھيئة الموانئ فى عھد مديرھا جلال شلية حضور صحفى كثيف و حراك اعلامى غير مسبوق صاحبته العديد من الفعاليات و الكثير من الاحتفالات بالأعمال و الإنجازات التى تتم … كل ذلك الزخم كان يھدف بالدرجة الأولى لإبراز دور الھيئة. و كسب التأييد و المساندة لھ من قبل الرأى العام. بالإضافة إلى شحذ ھمم العاملين و رفع روحھم المعنوية … اهتمام جلال بتكوين صورة ذھنية زاھية للهيئة فى أعين الناس كان يصحبه اھتمام بالغ بمتابعة الصور السالبة. و الوقوف على اماكن الخلل و التقصير … جلال كان يستمع للنقد و النصح باذان صاغية و صدر مفتوح . أكثر من استماعھ للإشادة و الثناء .
* لن أنسى ذلك اليوم … بعد ان ارسلت لھ رصد للعديد من السلبيات صغتھا فى قالب صحفى … استدعانى لمكتبه منذ بداية الدوام و لم أخرج منه إلا بعد ان تناولنا الإفطار معا …طوال ھذھ الفترة غير القصيرة لم يدخل علينا أحد… ناقش معى كل كلمة فى ذلك الرصد … الرجل اذھلنى بدقة متابعته لتفاصيل تفاصيل ما يجرى بالهيئة… استشارنى فى بعض القضايا . و استمع بكل أريحية لانتقادات صريحة قلتھا لھ … جلال اكثر مسؤول قابلته يعطينى الإحساس بثقتھ الكبيرة فى قدراتى .و يقدر آرائي و يحترمھا … فى تلك الجلسة الثنائية المغلقة اكتشفت لأول مرة وجود سرير و مكان للنوم داخل مكتب مدير الموانى …خرجت لأجد مجموعة من كبار المسؤولين كانوا في الإنتظار للدخول .
* ھيئة الموانئ فى تاريخها الطويل . اكبر تكريم نالتھ كان فى عھد مديرھا حمزة الفاضلابى. عندما منحت وسام الانحاز و منح مديرھا نجمة الإنجاز… ھذا التكريم الرفيع تكرر مرة اخرى فى عھد جلال . و من الشق الآخر… بعد التكريم من أعلى سلطة ادارية في عھد الفاضلابى . جاء نفس التكريم فى عھد جلال من اعلى سلطة نقابية … إتحاد عام نقابات عمال السودان يمنح ھيئة الموانئ وسام الإنجاز و يمنح مديرھا جلال شلية نجمة الإنجاز.
* اما أعلى مستويات التكريم الشخصى لمدراء الموانى فقد حظى بھ المھندس الفاضلابى الذى منح الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم. و أخرى من جامعة البحر الأحمر التى منحتھا ايضا للدكتور جلال شلية … الفاضلابى و شلية فقط ھم من نالوا ھذا الشرف .
* فى الفترة التى تركت فيھا العمل بالهيئة كان من النادر ان اذھب إلى رئاسة الموانئ… ما ذھبت الا وصعدت للطابق الاخير حيث مكتب مدير التخطيط جلال شلية… ذات مرة وجدتھ متھلل الوجه فرحان . قلت لھ ( ايھ الليلة مبسوط كدا ؟ ) قال ( الفاضلابى صدق دعم خمسمية مليون لمحلية حلايب ) … لو كان ھذا الدعم لھ شخصيا ما اظنھ فرح بھ كفرحتھ فى ذلك اليوم … ھذا مجرد ملمح فقط من حب الرجل الخير للآخرين.
* العقد الاول من ھذا القرن كلھ امضيتھ موظفا بوزارة السياحة مندوبا لھا ببورسودان . الى ان جاء إلى الوزارة وكيل ھو الأسوأ في تاريخ الخدمة المدنية بالسودان… رجل لا يطاق و شخص لا يحتمل … تركت لھ الوزارة و ذھبت … كل محاولات إرجاعى بأت بالفشل …ظللت ھائم على وجھى و ( حايم في الخرطوم ) … فى ھذا الأثناء إتصل بي مدير هيئة الموانئ جلال شلية… قابلته و الناس يترقبون تشكيل حكومة جديدة … أول ما قالھ لى ( اھ كيف مافى احتمال تخش الحكومة الجاية دى ؟ ) قبل ان أكمل استغرابى من سؤالھ التھكمى . قال و بحزم ( شفت تعيينك في الحكومة الجاية دى اسھل من تعيين مراسلة بالهيئة و مع دا انا عاوز اعينك و كلمت صلاح دا يتابع الموضوع دا ) .
* لم تمضى إلا شھور قليلة جدا حتى صرت موظفا بهيئة الموانئ… اتقاضى مرتب ضعف الذى كنت اتقاضاھ بالسياحة و بالتمام و الكمال . و أكثر بقليل من مرتب الوكيل الذى تركت الوزارة بسببھ … كل هذا بفضل الله أولا و اخيرا…ثم بفضل جلال . و النحكة الإدارية العالية و الحس الاجرائى العالى للأخ صلاح هجام مدير مكتب الموانى بالخرطوم …صلاح اجتاز مطبات و تجاوز عقبات يستحيل يجتازھا و يتجاوزها ادارى غيرھ… صلاح يتمتع بمھارة و معرفة متى يحرك الإجراء و متى يجمدھ …لولاھ كان من المستحيل أن اعود لهيئة الموانى … ھذھ العودة كانت أكبر و أعظم خدمة اجدھا فى حياتى العملية . و ما صاحبها من تعقيدات و الجھد الذى بذل كان بمثابة اقصى اهتمام بى كموظف .
نواصل … فى حضرة جلال يطيب الحديث و يحلو الكلام.