محمد احمد عبدالقادر يكتب: رجال من الساحل:حامد فضل ….كان فضلا زين جيد الثغر الباسم

محمد احمد عبدالقادر يكتب: رجال من الساحل:حامد فضل ….كان فضلا زين جيد الثغر الباسم
يوسف ابوعلى فنان الكاريكاتير الوحيد الذي انجبتھ بورسودان … ما يقارب نصف قرن من الزمان و أنا فى الوسط الإعلامى ببورسودان . لا أعرف رسام كاريكتير معتبر غير يوسف ابوعلى… رسوماته معبرة و تعليقاتھ عليھا ساخرة و احيانا موجعة … رسوماته كانت تنشر بانتظام فى صدر الصفحة الأولى لصحيفة الشرق … يوسف كان مقربا جدا من رئيس تحرير الصحيفة استاذنا الكبير احمد بابكر المھدى ( عليه رحمة الله ) … و قبل كل ھذا و ذاك يوسف ابوعلى كان موظفا بشركة التوكيلات الملاحية الأجنبية التى صارت تعرف بعد التأميم بشركة البحر الأحمر للملاحة .
* قال يوسف ابوعلى بطريقته فى الحديث التى تجمع بين الهدوء و السخرية ( انا قاعد فى مكتبى دا جابو لينا شاب تعيين جديد عشان يدرب . بعد ما فترتو انتھت معانا . قلت للجماعة الود دا حيبقى مدير للشركة دى … و انا قاعد فى نفس المكتب ما رقونى و لا نقلونى الود جانا مدير عام للشركة ) .
* ( الود ) الذى تحدث عنھ يوسف ابوعلى ھو حامد محمد فضل أبكر . المدير الوحيد الذى أعرفه لشركة البحر الأحمر للملاحة… ارتبط اسمھ بھا و ارتبط اسمھا بھ … سيدة شركات الملاحة بالبلاد … مكاتبھا مواجهة تماما لمبنى محافظة البحر الأحمر . الذى صار لاحقا رئاسة الولاية . و الآن رئاسة الجمھورية … شركة البحر الأحمر للملاحة كانت تمثل الضلع الثالث لقطاع النقل البحرى الى جانب هيئة الموانئ البحرية و شركة الخطوط البحرية السودانية… شركة البحر الأحمر بحجمها و ريادتھا و تميزھا . كانت الرئيس الدائم لاتحاد وكلاء البواخر . و حامد فضل ھو قائدھا .
* حامد فضل كان من الداعمين الأساسيين للأنشطة العامة التى كنا نقوم بھا فى بورتسودان فترة الثمانينيات و التسعينيات… أكبر دعم قدمھ لنا كان لجمعية الصداقة السودانية الارترية . التى كونتھا فى تلك الفترة … اھم ما قدمھ للجمعية كان رعاية شركة البحر الأحمر لدورة الصداقة السودانية الارترية لفرق الناشئين . التى وصفھا الزميل اوھاج ھيكل رئيس القسم الرياضى بإذاعة البحر الأحمر . بأنھا افضل رعاية تقوم بھا شركة ببورسودان لدورة رياضية … ميزانيتھا كانت مليون و خمسمائة الف جنيه. و كان ھذا رقما كبيرا في ذلك الوقت… بعد نھاية الدورة ذھبت للاخ حامد فضل فى مكتبھ لاشكرھ فقال ( انتھت الدورة و شغلنا مع الارتريين حا يبدا . حا اسافر اسمرا عشان نعمل شغل مشترك . ھم برضو عندھم شركة البحر الأحمر بتقوم بدور كبير فى التجارة ) … سافر حامد فضل إلى إريتريا و بذل كل ما يستطيع للقيام بأنشطة تجارية مشتركة … الا ان تقاطعات السياسة حالت دون ان تحقق تلك الزيارة النتائج المرجوة منها.
* وفد من الإتحاد الوطني للشبيبة الارترية زار بورتسودان . و دعوته في أمسية بنادى الموانئ… اتفقنا خلال الجلسة ان نقوم برحلة الى سواكن فى اليوم التالى … و انا خارج من النادى لمحت الاخ حامد فضل أمام منزله الفخم و القريب جدا من نادى الموانئ… إذن ھذھ فرصة لاطلب منھ عربة تقلنا الى سواكن … كانت الاستجابة فورية كما ھو متوقع … اما غير المتوقع ان تكون العربة بذلك المستوى … صباح اليوم التالى جاءت الينا سيارة فارھة مثلھا ببورسودان اقل من أصابع اليد الواحدة . يقودھا سائقھ الخاص حسن البطرى … عندما توقفت بنا تلك الفارھة أمام مبنى محلية سواكن . سريعا ما تجمھر حولھا بعض الناس ظنا منھم ان المحافظ قد جاء فى زيارة للمدينة … ھذا ھو حامد فضل… يتفضل بافضل ما عندھ .
* عندما كنت المسؤول عن العلاقات العامة بإذاعة ولاية البحر الأحمر فى بداية عھدھا . وجاء الاذاعى الشھير علم الدين حامد مديرا لھا . قررت ان اوظف نجومية علم الدين لاستقطاب دعم للإذاعة من الشركات ببورسودان … كان من الطبيعى ان تكون البداية ( بست الشركات ) و مديرھا حامد فضل . الذى رحب بالأستاذ علم الدين أيما ترحيب …و بعد ان حدثناھ عن الوضع بالإذاعة قال ( خلاص انا بساھم فى حل مشكلة ترحيل العاملين بالإذاعة باتنين موتر سوزوكي و تلاتھ عجلات هوائية ) و اضاف ( كنت متوقع تطلبوا مننا نوفر ليكم اجھزة راديو جيدة الصنع و رخيصة الثمن عشان توزعوھا على الناس خاصة فى الأرياف عشان يسمعوا الإذاعة. لكن ما مشكلة دى بنعملا برانا ) … ھذا ھو حامد فضل يتفضل بما لم يطلب منه .
* عندما كنت مراسلا لجريدة الخرطوم من بورسودان . و جاء الدكتور الباقر أحمد عبد الله صاحب الجريدة و رئيس مجلس ادارتھا . لمتابعة تخليص عدد من حاويات الورق ظلت مھملة بالميناء لفترة طويلة جدا . و ترتب عليها غرامات مالية عالية . وافق مدير هيئة الموانئ البحرية حمزة الفاضلابى على اعفاء الغرامات الخاصة بالهيئة. و تبقت غرامات أخرى خاصة بالشركة الناقلة . و اخبرونا بان ھذا اعفاؤھا غير وارد و تخفيضھا أمر غير سھل …عندما ذھبنا الى مكتب الشركة الناقلة وجدنا المدير ھو حامد فضل… ما ان اكمل الدكتور مرافعته طالبا تخفيض المبلغ حتى قال حامد ( انا بعفى المبلغ كلو لسببين . الاول انو البضاعة ورق لطباعة الجرايد و التانى انو انحنا كنا جيران لفترة طويلة )… مكتب شركة البحر الأحمر بالخرطوم ملاطق لمكتب صحيفة الخرطوم … ھذا ھو حامد فضل… يتفضل بأكثر من الذى طلب منھ .
* شركة البحر الأحمر للملاحة عصرھا الذھبى و الفضى كلھ . و عھدھا الأخضر و الانضر كلھ كان مديرھا حامد فضل … الخبير العالم فى مجال التجارة الخارجية . الذى أفتى عمره في خدمة ھذا المجال الھام … نوابھ أثنين جويل جاقو من الجنوب و احمد جلال من الشمال . و ھما اكبر من حامد سنأً …اصولھ من الغرب و لكنھ أصيل في الشرق . حيث ولد و شب و شاخ و مات … تقليد انفردت بھ شركة البحر الأحمر لم اجدھ فى اى مؤسسة غيرھا . ظل عالق بذھنى …لقطة جماعية للموظفين بالشركة ( مبروزة بأناقة ) و معلقة بعناية فى مكاتب الشركة … يتوسطھم مديرھم حامد فضل . و بجانبيھ نائباھ جلال و جاكو . و حولھم بقية الموظفين واقفون و جالسون … لوحة فوتوغرافية تجسدت فيھا أنبل القيم و أسمى المعانى… تعكس أجمل ما فى ذلك الزمن الجميل و ازھى ما فى ذلك العھد الزاھى … لوحة تشع منھا الكفاءة و الكفاية …اعتذر بشدة لاستخدامى عبارات ((( جھوية بغيضة و كريھة ))) لإبراز حسنها و جمالھا و اظھار معانيھا و دلالاتها.
* عندما تعرضت لمحاولة إغتيال في العام ٢٠٠٤ . نجانى الله منھا بقدرته و لطفھ . و جاء الناس فرادى و جماعات يزوروننى بالمستشفى . مستنكرين الذى حدث و متأثرين للذى حدث … كان حامد فضل فى مقدمتھم . و كان من القلائل الذين فاضت أعينهم من الدمع حزنا على الذى جرى لى … و اليوم تفيض اعينى من الدمع حزنا على فراق حامد فضل … و لا اقول الا ما يرضى الله… إنا لله وإنا إليه راجعون… و انا لفراقك يا حامد لمحزونون .