مقالات

محمد احمد عبدالقادر يكتب : رجال من الساحل ( ٦ )..عثمان ابو شوك:يا صوته لما سرى لما

محمد احمد عبدالقادر يكتب : رجال من الساحل ( ٦ )..عثمان ابو شوك:يا صوته لما سرى لما

 

أوائل التسعينيات كنت كثير التواجد بالمكتبة الثقافية بمبنى بلدية بورسودان… كنت أجد فيها متعة القراءة . و متعة الإستماع لامينها صديقى العزيز الفنان إدريس الامير عليه رحمة الله… و منها أقوم بتنسيق و متابعة

انشطة جمعية الصداقة السودانية الارترية بالبحر الاحمر التى كونتها في تلك الفترة … كنت أرتب للاحتفال بالذكرى الأولى لانتصار الثورة الارترية… قلت للامير ( عاوز لى مذيع كويس كدا يقدم لينا فقرات الاحتفال )

قال الامير ( ب ب ب ب ب ) و هو يرفع يده و يخفضها و رأسه مطأطأ … هكذا يعبر الامير عن إعجابه بالأشخاص و الأشياء و المواقف … ثم قال ( عندى ليك مذيع خطير بجى بقرا فى مكتبة بكلمو ليك ) … شاب صغير يرتدى

جلابية قصيرة عرفنى به الأمير بعد ايام و هو يقول ( دا المذيع القلتو ليك ) … منذ ذلك اليوم و حتى يومنا هذا مضت اكثر من ثلاثين عاما و لم تنقطع صلتى بالمذيع عثمان ابو شوك … علاقة زادتها السنين توطدا و تمتنا و تعتقا .

* أستمع الناس لصوت عثمان ابوشوك عبر رسالة البحر الأحمر التلفزيونية المحلية . و عندما جاءت إذاعة البحر الأحمر كان ابوشوك من أميز الأصوات التي انطلقت عبر اثيرها …صوته مميز إلا أن اجتماعياته أكثر تميزا …

ابوشوك له قدرة غير عادية فى خلق الصداقات و توسيع دائرة العلاقات . و له طاقة كبيرة فى التأثير على من حوله و جذب الناس إليه… أمضى فترة ليست بالطويلة بجمهورية جزر القمر فصار معروفا لدى القمريين أكثر من السفير السودانى هناك .

* ابو شوك كما يجيد نطق الكلمات بصوته الرخيم . هو أيضا يجيد كتابة الكلمات بخطه الجميل … ببورسودان هو مذيع و خطاط زينت لافتاته العديد من واجهات المرافق و المحلات العامة و الخاصة فى شتى أنحاء

مدينة بورسودان … عندما اراد ان يقنن عمله فى مجال الإعلان ارسلت اوراقه للفحص الأمنى… لم يوصى بالتصديق لوكالة ابوشوك للإعلان…عندما سأل عن السبب قالوا له ( اتنين من اصحابك ضد الحكومة ) هما محمد

أحمد عبد القادر و شخص آخر … عثمان ابوشوك ضابط الصف بالدفاع الجوى الذى تلقى دورات متقدمة بروسيا في إطلاق الصواريخ . و المتهم بالمشاركة في محاولة انقلابية . و كبير المذيعين بإذاعة الولاية . يمنع من التصديق له بوكالة إعلان بذلك السبب المضحك .

* أظهر عثمان فى السنوات الأخيرة قدرات أكبر بكثير من قدراته كمذيع و كخطاط … خلال فترة قصيرة أصبح من اميز المدربين فى مجال الإعلام و العلاقات العامة… شارك فى تنفيذ العديد من الدورات و ورش العمل و السمنارات كتفا بكتف مع كبار خبراء الإعلام. و اصبح

مدرب له معجبين في أوساط المتدربين… تعاقد مع مختلف الموسسات بالعاصمة و الولايات للقيام بمهام تدريبية . آخرها جامعة الفاشر . التى من خلالها إستطاع

أن يفتح الكثير من النوافذ للتدريب بولاية شمال دارفور … و كعادته انفتح على مجتمع مدينة الفاشر المضياف . و طاب له المقام فصار أحد سكان المدينة و واحد من واجهاتها الإعلامية.

* عندما طال البعاد بينه و بين أسرته و اشتد به الحنين . قرر ان يمضى أيام عيد الفطر مع أسرته… وضع حاجياته على سيارته استعدادا للسفر . و لم يتبقى إلا توفير الوقود اللازم للرحلة من الفاشر إلى الأبيض… وهو فى سعيه لتوفير الوقود اندلعت هذه الحرب العبثية اللعينة… اولا فقد السيارة و ما عليها و بعد ذلك فقد كل ما كان بمنزله و أخيرا فقد كل شئ… و لكنه لم يفقد الإيمان و الصبر … حتى كتابة هذه السطور عثمان ابوشوك محاصر بالفاشر و يعانى من مضعفات مرض السكرى .

* كنت المسؤول عن مكتب اللجنة العليا لحل مشكلة مياه بورسودان الكائن بعمارة بنك التضامن . و مسؤول الإعلام باللجنة … كنا فى حاجة لصور فوتوغرافية تعبر عن مشكلة المياه بالمدينة … لا يوجد ببورسودان مصور يستطيع القيام بالمهمة بالصورة المطلوبة . و إمكانيات اللجنة و هى فى بداياتها لا تسمح بإحضار مصور محترف من الخرطوم … ابوشوك اقترح الاستعانة بالمصور الذى قام بتصوير جميع اللافتات التى قام بتنفيذها ببورسودان… كان يتحدث عن ذلك المصور بثقة و إعجاب شديدين .و أنا أستمع إليه باستخفاف قد يصل حد السخرية … اخير رضحت عندما قال ( انت خسران شنو ما تجربو ) ..

* بعد أيام قليلة جاءنى عثمان و برفقته صبى مظهره بائس و يحمل كاميرا أكثر بؤسا . الا أن نظرات الصبى و تقاطيع وجهه كانت تقول شيئا اخر … أخبرت الصبى بالمهمة المطلوبة منه فقال ( لو فى زول منعنى من

التصوير ) . و أصر على تسليمة خطاب مختوم من اللجنة موضح فيه انه مكلف بهذه المهمة . و كان له ما اراد … عصر نفس اليوم و صبى يحمل كاميرته متجولا راه أحد وكلاء النيابة فطلب من شرطى بالقرب منه ان يقبض

على ذلك الصبى و يفتح له إبلاغ اشتباه بسرقة الكاميرا … بمركز الشرطة اطلعهم الصبى على الخطاب و لكن لم يطلق سراحه لان البلاغ مفتوح بتوجه مباشر من وكيل النيابة . و لان اليوم خميس لا سبيل الا البقاء بالحراسة حتى صباح السبت .

* صباح السبت تلقيت اتصالا من الشرطة و سريعا ذهبت الى المركز غير البعيد من مكتبنا و تم إطلاق سراح الصبى . و نحن خارجون من المركز قلت له ( انت عارف قبضوك عشان شنو ؟ ) اجاب ( اى عارف ) . ثم افترقنا لياتينى

بعد أيام قليلة وهو فى مظهر لائق و يحمل مجموعة صور رائعة … لا يصدق أبدا بان ذلك الصبى هو من قام بتصويرها و بتلك الكاميرا… ثلاثة لقطات منها لن أنساها. و من رآها لا يساوره أدنى شك بأنها لواحد من كبار المصورين المحترفين .

* اللقطة الأولى لساقى يحمل جوز ( جركانات ) ماء عند المدخل الرئيسى لعمارة بنك فيصل كبرى البنيات ببورسودان. و الثانية لإعلان عند باب المصعد الكهربائي مكتوب عليه ( يمنع منعا باتا حمل جركانات المياه على

المصعد ) .اما الثالثة و هى أروعها و أكثرها تعبيرا لعربة ( كارو ) مياه بجانبها الساقى و فوقهم مباشرة لافتة مكتوب عليها ( هيئة مياه ولاية البحر الأحمر ) … وجدت امامى موهبة في التصوير جدير بالرعاية و يستحق

التشجيع …صبى لطيف و مطيع و ملتزم يستوعب ما يطلب منه و ينفذه بكل دقة … طور نفسه في كل النواحى … اجتماعيا و أكاديميا و مهنيا و فنيا …و سريعا

صار المصور الأول بالولاية و المصور الخاص بالولاة . منذ ايلا و حتى الوالى الحالى … أنهى إشكالية التصوير الصحفى بالبحر الاحمر . و ظهرت صوره بالصحف القومية و اعرق المجلات الإقليمية… و استغل الصورة بمهارة فى تحقيق مكاسب مادية كبيرة …

* كل ذلك الرصيد ما كان سيحققه المصور ابراهيم إسحق . لولا عثمان ابوشوك المحاصر الآن بالفاشر…اخر صورة وصلتنى من عثمان عندما رأتها زوحتى قالت ( الزول دا فيهو ملامح لعثمان ابو شوك ) … ابوشوك يحتاج لكم و للتضرع إلى الله ان يخرجه من هذه المحنة .

و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
و الى حديث عن رجل اخر من الساحل بإذن الله
ادريس الامير … ينبوع الشذى العطرى .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى