محمد احمد عبدالقادر يكتب: ..رجال من الساحل( ٣ )..عبدالرحمن بالعيد:سأغنى له كما غنى الخليل
محمد احمد عبدالقادر يكتب: ..رجال من الساحل( ٣ )..عبدالرحمن بالعيد:سأغنى له كما غنى الخليل
صالة السفريات الداخلية بمطار الخرطوم عدد المسافرين منها إلى بورسودان لم يكن كبيرا في ذلك اليوم… سريعا اكملت اجراءاتى و اتجهت حيث يجلس شاب ثلاثينى يقرأ في كتاب باللغة الإنجليزية حجمه كبير … ما ان رفع
نظره و رأنى حتى نهض واقفا و هو يقول ( ااوه ) و سلم على ( سلام عِرفه ) … تأكدت تماما انى لا اعرف ذلك الشاب و لم التقيه من قبل … كرر ذلك الأمر مع كل الذين جاءوا وجلسوا ناحيتنا … قد تكون هذه عادته … من
حسن حظى جلسنا متجاورين داخل الطائرة… سلمت عليه و عرفته بنفسى … رد بالمثل … وأخبرني بأنه قادم من تنزانيا بعد ان أمضى فيها فترة دراسية … قلت له ( قبيل سلمت على سلام معرفه ) فكان رده ( ما يكفى أنك
ماشى بورسودان ) ثم بدأ يتحدث عن أهل بورسودان و حسن تعاملهم . و ذكر المعاملة الكريمة التي وجدها من الدكتور أحمد عبد العزيز الذى سبقه الى تنزانيا . وتحدث بتقدير كبير عن بعض تفاصيل تلك المعاملة … معرفتى
بالاخ العزيز عبد الرحمن بلال بالعيد تمت بين طيات السحاب و على إرتفاع أكثر من عشرين ألف قدم . و توطدت علاقتى به بسرعة الطائرة التى اقلتنا إلى بورسودان… كان التعرف على بالعيد مكسب كبير و
العلاقة معه إضافة كبرى … عندما افترقنا فى مطار بورسودان رأيت أن هذا الرجل جدير بالتواصل معه و يستحق أن يزار .
* زرته بمكتبه بالهلال الاحمر… وجدته رجل عملى يحاول توظيف كل الفرص لما هو مفيد… طرح على فكرة تنظيم دورة لترقية المهارات الإعلامية لشباب الهلال الأحمر…
كانت دورة جيدة شارك فيها شباب جيدون مازلت متواصلا مع بعضهم … خالد الشريف نموزجا…تلك الدورة فتحت الباب لتنظيم دورات مماثلة بمركز التدريب التابع للحكومة بترانسيت الذى كان مديره إبراهيم السيد و المركز العالمى للتدريب بعمارة باوارث .
* لم تمضى فترة طويلة حتى اختير بالعيد محافظا لطوكر . ولم يمكث بها طويلا حتى جاء محافظا لبورسودان … وقتها كنت فى قمة نشاطى الصحفى …كنت أتردد على مكتبه بالمحافظة . لمست منه رغبة في مساعدة مناديب الصحف ببورسودان و مساندتهم لاداء
دورهم بصورة افضل … انتهزت الفرصة و ابديت له رغبتى في القيام بزيارة صحفية الى منطفة ارياب التى تقع في دائرة محافظته … أخبرته بانى من نشر خبر اول انتاج للذهب بارياب . و كيف عدت من مطار بورسودان مع آخرين لم تسعهم الطائرة التى يقودها حاكم الاقليم
الشرقى حامد عثمان كرار و المتجهة الى ارياب لاستلام اول انتاج تجريبى للذهب بالمنطقة… قبل ان اكمل حديثى رفع سماعة التلفون الداخلى متحدثا مع السكرتارية ( ادينى مصطفى موسى ) … شعرت بشئ من
الامتعاض أتحدث معه و ينشغل بأمر آخر…سريعا ما كبر الرجل فى نظرى و هو يتحدث مع مصطفى موسى الذى هو مدير مكتب شركة ارياب ببورسودان و يوجهه بترتيب زيارة لى الى المنطقة فى أقرب فرصة ممكنه .
* فى ذات الليلة التى فازت فيها فرنسا بكاس العالم ١٩٩٨ وصلنا الى معسكر الشركة الفرنسية التى تقوم بتعدين الذهب بارياب … كنت أعلم بانى غير مرحب بى من قبل الشركة و وجودى بمقرها هو بامر بالعيد و رغم أنفها… مع
هذا وجدت معاملة كريمة من محمد صالح طه الإدارى بالشركة . و الجيولوجي المعروف محمد ابوفاطمة الذى كان مسؤولا عن الأبحاث بالشركة .و صار لاحقا مديرا عاما لهيئة الابحاث الجيولوجية ثم وزيرا للمعادن
بحكومة ثورة ديسمبر العظيمة … ابوفاطمة افادنى كثيرا فى تلك الزيارة و ساهم فى تثقيفى تعدينيا …
* كان تركيزى منصبا على المجتمع الفقير حول الشركة الغنية … جلست طويلا مع الشريف قمر الدين ودحاشى
شيخ الخلاوى . و الناظر على محمود ناظر قبيلة الامرأر الذى اطلق عليه مؤخرا حكيم البجا…حكمة هذا الرجل لمستها منذ تلك الزيارة هو يوصينى بتناول قضايا المتطقة بهدوء و يقول ليس من مصلحة اهل المنطقة معاداة الشركة . كل تلك المعانى عبر عنها فى جملة قصيرة ( لمن ترجع اكتب براحه ) .
* الزيارة التي هيأها لى الاخ عبدالرحمن و لولاه ما كان يمكن ابدا ان تتم .اعتبرها اهم زيارة فى تجربتي مع الصحافة. استنادا للاصداء و التداعيات التى صاحبت ما كتبته بعدها … رئيس الجمهورية عمر البشير تحدث حول
ما كتبت مع والى البحر الأحمر ابوعلى مجذوب .و وزير الطاقة و التعدين تحدث فى ذات الموضوع مع محافظ بور سودان عبدالرحمن بالعيد. و انا شخصيا إتصل بى المهندس حسن محمد على التوم و كيل وزارة الطاقة و
التعدين و طلب منى الحضور للوزارة لمقابلة الوزير . و إنتهى الامر بالاعتقال … قبل مقابلة الوزير التقيت بوالى البحر الأحمر الذى اخبرنى بكل الذى دار بينه و بين الرئيس . وطلب منى عدم الكتابة عن ارياب مرة اخرى. مستخدما التعبير الذى يحمل أعلى و أقصى درجات الرجاء عند أهلى البجا ( انا اخوى ) .
* خرجت من مكتب الوالى وانا ملتزم تماما بعدم الكتابة عن ارياب . و لكن علاقتى بأهل المنطقة ظلت مستمرة …توقفت عن الكتابة عن ارياب و لكن ظهور كتابات عنها فى صحف لم يتوقف … بل ظهرت ارياب و لاول مره فى العناوين الرئسية للصحف و باللون الأحمر ..علّمت أهل
ارياب كيف يكون لهم وجود على صفحات الصحف … بل تجاوز الامر الاخبار و التقارير الى الإعلان عن اقامة ندوة صحفية حول قضايا الصحة و البيئة بارياب . بالتعاون مع الجمعية السودانية لحماية البيئة . و تم تحديد نادى
بورسودان العالمى مكانا لاول ندوة صحفية فى تاريخ المدينة … الحكومة التى لم تحتمل نشر مواد قصيرة منوعه هنا وهناك و قامت بكل تلك الإتصالات. طبيعى ان يفزعها خبر إقامة ندوة صحفية … قبل يوم واحد من موعد الندوة عرفت الحكومة من هو منسقها خلف
الكواليس . فقامت باعتقالة … امضيت ليلتين بمخزن للاسبيرات الخردة و عبوات الزيوت الفارغة داخل مبنى جهاز الأمن. وخضعت للتحقيق فى الظلام … لم ارى من يتحدث معى … لم يكن تحقيقا بقدر ما هو استفزاز من خلال طرح أسئلة أكثر من عادية …كل الغرض كان إفشال الندوة من خلال اخفاء منسقها الأساسى.
* فى اول ظهور بعد الاخفاء ذهبت إلى الاخ بالعيد بمكتبه برئاسة المحافظة . ما ان دخلت عليه حتى وضع يده على المصحف الذى أمامه و بدأ يتحدث مقسما بانه لا علاقة له بالذى حدث من قريب أو بعيد … أخبرته بأنى اصدقه من دون ان يُقسم .و ان الذى حدث هو أمر جيد على
المستوى ااشخصى . لان الاعتقال علامة مضيئة في مسيرتى الصحفية … طبعا هذا قبل محاولة الاغتيال التى كانت علامة اكثر ضياءا … و الأمر جيد جدا على المستوى العام . فقد تحركت قضايا ارياب بشكل ايجابى … و الفضل في كل ذلك من بعد الله يعود لك يا سيد بالعيد .
* الأح عبدالرحمن بلال له تقدير واهتمام كبير بالاعلاميين و الدعاة … يحترمهم و يجلهم …ما من اعلامى زار بورسودان و عرٌفته على بالعيد إلا و أكرمه و احسن ضيافته و سعى لتسهيل مهمته . و عاد من حيث أتى ولسانه يلهج بشكر بالعيد … تقدير بالعيد للدعاة اكبر
و أشد… علاقته بشيخ محجوب مصطفى نموذجا… آخر عهدى بالأخ عبدالرحمن بلال كان فى الثالث من رمضان قبل الماضى فى دعوة إفطار بمنزله على شرف الشيخ المقرئ عبدالرحيم ابولبابه الذى جاء من الأبيض إلى بورسودان ليصلى بالناس التراويح .
* ما من موقع عمل به الاخ بالعيد الا و كان نقطة مهمة في خارطة تحركى بالمدينة …حتى عندما صار أمينا للإعلام بالمؤتمر الوطنى . لم اتردد فى قبول مقترحه بإصدار مجلة ( دبايوا ) … رغم استياء بعض الأخوة و الأصدقاء و استنكارهم . كنت أقول لهم إنا مع بالعيد أين
ما كان أكون و أين ما ذهب ذهبت اليه …و ما من منزل سكن فيه الأخ عبدالرحمن إلا و كنت من اكثر المترددين عليه … لم أتردد على منزل صديق كما ترددت على منزل بالعيد …ليس ببورسودان فقط . إنما أيضا بجبيت و
سنكات و كسلا . وحتى عندما كان نائبا لوالى النيل الأزرق ذهبت إليه في الدمازين … بالعيد رجل يستحق أن تشد إليه الرحال و تضرب له اكباد الإبل.
* لبالعيد قدرات غير عادية فى أحداث التغيير إلى
الأفضل…مركز التدريب المهنى ببورسودان من أكبر و أحدث المراكز بالبلاد…تعرض لاهمال شديد حتى تركه المتدربون و هجره المدربون . وصار شبه خاو على عروشه … جىء بالاخ عبدالرحمن مديرا له . رغم إنى لا أعرف للرجل خلفية فى هذا المجال …شهور قليلة و
بدات الحياة تعود للمركز الذى كان فى حالة موت سريرى … سريعا بدأ الطلاب يعودون .و حتى المعلمين الذين تركوا المدينة نفسها عادوا اليها بعد عودة الحياة للمركز … يبدو ان المهندس محمد احمد رسمى الأمين العام للمجلس القومى للتدريب المهنى و التلمذة الصناعية لم
يصدق التقارير التى وصلته عن النقلة التى حدثت بمركز بورسودان . فجاء بنفسه ليقف على حقيقة ما فعله بالعيد بالمركز . الذى صار أيضا مركزا للنشاط الثقافى و الرياضى و مقصدا لزوار المدينة من الرسميين …كان تعليقى على الذى فعله بالعيد بالتدريب المهنى و فى
وقت قياسى ( والله بالعيد دا لو مسكوه السلخانه القديمة الجمب المقابر ديك تبقى سمحه و ريحتا تبقى حلوه ) .
* الأخ عبدالرحمن بلال كضابط صحه مشهود له بالكفاءة و الخبرة فى هذا المجال . كان يدرك أهمية الدور الذى
قامت و يمكن أن تقوم به شركة أبو النجا فى مكافحة الباعوض ببورسودان … شركة ابو النحا التى كنت مسؤول الإعلام بها كان من الممكن أن تجعل من بورتسودان مدينة خالية من الباعوض … ما أن ظهرت
بشريات عمل تلك الشركة حتى تكالب عليها ( الجماعة إياهم ) حتى اوقفوها عن العمل … ادارة الشركة لم ترضخ لابتزاز تلك الجماعة . و وقفت معهم أمام القضاء الذى أصدر حكمه النهائي لصالح الشركة . ليبدأ بعد ذلك مشوار طويل من المماطلة و التسويف فى دفع
مستحقات الشركة بموجب الحكم القضائي… إلى أن جاء بالعيد وزيرا للصحة بالولاية و قام بسداد مستحقات الشركة ( على داير المليم ) .
* بالعيد لديه إستعداد دائم لسماع مشاكل الناس . و شهية ( فاتحة ) لاستيعابها . و رغبة صادقة للسعى فى حلها … لا اظن مر عليه يوم لم يسعى فيه لقضاء حاجة لاحد … و لا اظن قابلته و لم أسمعه يتحدث عن مشكلة
لأحد… بعض اقاربه و المقربين منه تشكلت لديهم قناعة راسخة بأن عبدالرحمن لديه القدرة على حل أى مشكلة و معالجة أى قضية و احتواء اى أزمة… من الطرائف أن أحدهم كان فى سفرية خارجية . و عندما عاد حكى
المشكلة الكبيرة التي واجهته بإحدى المطارات. فما كان من أحد الحضور إلا وقال ( ما كان تضرب لعبدالرحمن ) … على المستوى الشخصى ما من مشكلة واجهتنى الا و كان بالعيد اقرب الناس الى جانبى … فى محاولة
الاغتيال تلك و نحن فى الطريق إلى المستشفى كان كل همى ان تصل المعلومة الى بالعيد و هذا ما فعله اللواء نور الدين فرح عليه رحمة الله … بالعيد من الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس و حببهم للخير و حبب الخير إليهم .
* البركة التى تحيط بالأخ عبدالرحمن بلال و التوفيق الذى يلازمه أظنه مرتبط بسعيه فى تخفيف هموم الناس. و أيضا ببره الشديد لوالدته … المواقف الإنسانية التى عايشتها معه لا يسع المجال لذكرها و لا ينبغى ان تذكر .
و لكنى استميحه عذرا لاحكى الفصل الاخير من فصول بره لوالدته … كان نائبا لوالى النيل الازرق و وزيرا للصحة بالدمازين . تلقى اتصالا بأن والدته فى حالة حرجة بالمستشفى . الرحلات الجوية للدمازين ليست يومية و
لكن فى تلك اللحظات توجد طائرة على وشك الهبوط . طار بها بالعيد و هبط بمطار الخرطوم. ليجد به الطائرة المتجهة الى بورسودان على وشك الإقلاع . فطار بها الى بورسودان و من المطار مباشرة الى المستشفى . و ماهى الا سويعات و انتقلت الوالدة الى رحمة ربها بين يدى أبنها عبدالرحمن .
* عندما اضطررت مكرها على ترك بورسودان نهائيا . عبدالرحمن بلال هو من رافقنى و حملنى و اسرتى بسيارته حتى أوصلنا الخرطوم ثم عاد … ونحن نغادر و قبل ان تختفى معالم المدينة ألتفت اليها مودعا و ملقيا النظرة الاخيرة و اقول فى نفسى ( والله أنكِ لاحب البلاد
إلى نفسى و لولا ان ضايقنى فيكِ ذلك الرجل لما تركتكِ ابدا ) … ثم بدأت أفكر في السبب القوى الذى قد يجعلنى اعود زائرا إليها مرة اخرى … لم أجد سببا اقوى من زواج حمادة الإبن البكر لعبدالرحمن … وقتها حمادة لم يتخرج
من الجامعة…مرت السنين و صار حمادة ضابطا بالشرطة و أعلن عن موعد زواجه … ظرف طارئ حرم زوجتى من المشاركة فى مناسبة اكبر من ان أذهب اليها بمفردى … أخترت ان يرافقنى إليها ( صحبى القصيرونى الظريفونى ) محمد على .
* قبل أيام قليلة من موعد المناسبة حدثت تعقيدات دراماتيكية هددت فكرة المشاركة من أساسها… بدات فى التنازلات . صرفت النظر عن المرافق و قررت السفر برا . و مع هذا ظل الوضع معقدا …وصلت الى منزلى محبطا مساء ذلك اليوم . اذا لم اسافر بعد غد لن أتمكن من
حضور المناسبة … قبل ان أوى الى فراشى اذا بمدير المكتب يتصل و يخبرنى (بمامورية) عاجلة الى بور سودان . و ان أحضر في الصباح جاهزا للذهاب من المكتب إلى المطار … هكذا كل امورى مع بالعيد. مهما
تعقدت يكون حلها مفرحا و اكثر مما أتوقع… حضرت قبل يوم من المناسبة و عدت بعدها بأيام… ولم أسأل عن تلك (المأمورية )العاجلة و لم يسألني عنها أحد.
* و نحن فى صيوان الفرح الضخم الذى لم يشهد له ذلك الحى مثيل . اذ ارى اونور جالس مع ابوعيشه و باكاش …عندما كنت افكر فى اصطحابه معى كان هو موجود ببورسودان و لم أكن اعلم .
* الأخ الكريم عبدالرحمن بلال بالعيد ليس له اى إهتمام بالكورة .و لم أسمعه قط يتحدث عنها . و هذه هى واحدة من الأشياء الكثيرة الجميلة التى تعجبنى فيه .
و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والى حديث عن رجل اخر من الساحل بإذن الله
عمر إسماعيل :
الصحفى الذى اعطى ولم يستيقى شيئا .