محمد أحمد مبروك يكتب :اليساريين بنفذوا إنقلابهم كيف ؟؟!!
محمد أحمد مبروك يكتب :اليساريين بنفذوا إنقلابهم كيف ؟؟!!
سطور ملونة
اليساريين بنفذوا إنقلابهم كيف ؟؟!!
لا تشك حساباتى أن اليساريين ليس أمامهم خيار سوي إنقلاب عسكري يطيح بالحاليين ويهدم طموح القادمين المتوقعين .
لكن اليساريين من شيوعيين وبعثيين خطيرون جدا ، لانهم دمويون ولا يردعهم دين أو خلق . وميراثهم الفكري وذخيرتهم أورثتهم مبدأ تصفية السابق لتقيم الجديد . وليس في قاموسهم سوى التصفية .
انظر الى البعث في العراق ، فهو حزب دموي تصفوي ، حقق كل فوز فيه وكل قلب للسلطة أو حتى تسيير الدولة بالقتل .
وكذلك الذين ورثوا فكر البلاشفة ، فقد ورثوا منهم ليس تصفية القيادات فقط ، إنما تصفية الجماعات والتيارات المناوئة لهم .
ولهم في السودان تجارب عملية نفذوها بنفس النهج .. فقد حدثني العميد محجوب برير محمد نور الذي شارك في تنفيذ إنقلاب مايو أن نميري كان مصرا أن يتم الإنقلاب بدون إراقة دماء ولم يقبل أن يتجاوز الأمر بالقادة الحزبيين أكثر من الإعتقال .
وحديثه يعني أن الشق الشيوعي من الضباط كانت ( نيتهم سوداء ) .
لكن الشيوعيين لم يتركوا مبدأهم الأصيل في التصفية ، فقد نفذوها في ( حملة التطهير ) التي صفوا فيها من خدمة الدولة جميع المتدينين الذين سموهم ( الرجعيين ) .
وجمعتني ظروف طيبة بعثمان الكودة الذي كان ضابط صف بسلاح الذخيرة ، وهو من كوادر الحزب الشيوعي . وهو ورفيقين له هم الذين هربوا عبد الخالق محجوب من معتقله بسلاح الذخيرة بعد أن أقصى نميري الضباط الشيوعيين من مجلس قيادة الثورة ، ورفض أن تسير الدولة بتوجيهات الحزب الشيوعي . ليخفوه في القصر الجمهوري في أحد مكاتب الحرس الجمهوري ، قريبا من مكتب الرئيس نميري نفسه . وكان قائد الحرس الجمهوري الرائد ابوشيبة الشيوعي أيضا ، وذلك قبل أيام قليلة من إنقلاب الظهر الذي قاده هاشم العطا . وكان التهريب بغرض تحريره لإكمال الإعداد للإنقلاب .
وحكي لي عثمان الكودة أنه تخفى بعدها بالسفر إلى أهله في الشمالية ، وتابع أخبار الإنقلاب من هناك . وقد أشرفت على صياغة وإعداد مذكراته في صدر التسعينات وحولناها إلى كتيب صغير ، طبع ونشر بعنوان _ الحزب الشيوعي نحروه أم إنتحر _ على نسق كتاب فؤاد مطر .
وجمعني جوار المكاتب مع الرائد صلاح عبد العال مبروك عليه الرحمة الذي شغل مناصب قيادية ، وكان وزيرا في مايو وهو من قدامى ضباط سلاح الإشارة ، وحدثني كثيرا عن دموية الشيوعيين وأنهم لا يتورعون عن القتل وتصفية الخصوم .
إلا أن التجربة العملية أبانت لهم _ كما يرون هم _ أن أكبر (أخطائهم) التي تسببت في فشل إنقلاب هاشم العطا هو أنهم إعتقلوا نميري ولم يصفوه .
وفي محاولتهم لتصحيح (الخطأ) صفوا قادة القوات المسلحة الكبار كلهم في مجزرة بيت الضيافة المشهورة .
لا شك أن القيادة السيادية والأجهزة الأمنية قد لاحظت (قوة عين) قادتهم الذين تم القبض عليهم بتهم فساد يعلم الشعب أنها مؤكدة ، وتبقى فيها فقط نظر القضاء ليقرر الإدانة أو براءة تشير الشواهد كلها أن بينهم وبينها بعد المشرقين . وهم يعلمون أكثر من غيرهم حقيقة الوحل الذي هم فيه .
وتشير هذه الجرأة إلى أن القوم واثقون أن الموازين ستنقلب إلى صالحهم ، لذلك لم يعترفوا بجريرة ، ولم يقروا بفساد إختلف اللصان فيه ، وخرج إلى الملأ تبيانه . ولا أظن أنهم يعتمدون على تبرئة ساحتهم أمام القضاء الذي أصبحوا يعملون بإستماتة لتفادي المثول أمامه ، ليس فقط بالحملات الباكية والتصريحات قبيل الإعتقال وتصريحات ذيولهم بعده ، إنما بالإضراب عن الطعام الذي سيقود إلى دخول المستشفى الذي يحول بينهم وبين منصة القضاء حتى تنقلب الموازين لمصلحتهم .!!
إن جماعة اليسار هؤلاء إن عمدوا لإنقلاب عسكري فإن الأجهزة المختصة لن تكون غافلة عن كوادر لهم ربما تخفت أو غادرت البلاد ، أو عسكريين منضوين تحت لوائهم خارج الخدمة .
ولن ينخدعوا بمسرحية الخلافات بين كياناتهم وتبرؤ بعضهم من بعض ، فهذا ذر للرماد في العيون لتعمى عن تحالفهم الذي تفرضه مصالح البقاء ، وحتمية المصير المشترك !!
وبالطبع لن تغفل عن تشديد حماية القيادة السيادية ، وقيادات الجيش . فهؤلاء القوم لن يكرروا ( الخطأ ) حين إعتقلوا نميري ولم يصفوه . فهم لن يعتقلوا أحدا إنما سيبدأون بالتصفية لأنها ستحقق لهم غرضين : الأول هو القضاء على كل القيادة التي يمكن أن تنهض لإجهاض مخططهم ، والتي تملك المعلومات وولاء الجيش لتجعل الجيش بلا هدى . والثاني هو إرباك المشهد كله أمام الرأي العام السوداني ، ووضع الرأي العام العالمي أمام الأمر الواقع .
هناك ما يسميه العسكريون (ضربة وقائية) وهي إلحاق ضربة بالعدو المتأهب للعدوان قبل أن ينفذ عدوانه وشل حركته من البداية تفاديا لخسائر القتال عند المدافعين .
والبرهان رجل ضليع في العمل العسكري والسياسي حيث أدار البلاد أصعب ثلاث سنوات في تاريخها السياسي .
ليته يجنبنا الخسارة والإضطراب ليس بضربة إنما بعمل وقائي ، ولا معنى لانتظار أن يدخل التخطيط مرحلة الفعل ، لأن الفعل ربما يكون مفاجئا ..
محمد أحمد مبروك